الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. جوزيف رامز أمين يكتب: موقفا مصر وإثيوبيا من سد النهضة

صدى البلد

فى ضوء كلمتى وزير خارجية مصر ومندوب إثيوبيا الدائم فى جلسة مجلس الأمن الدولى المنعقدة يوم الاثنين ٢٩ يونية الماضى حول سد النهضة والبيانات أو المواقف المصاحبة والتى تعكس وجهتى نظر البلدين, وكذلك السودان, وعدد من الكلمات الأخرى لأعضاء المجلس الدائمين والعاديين تجاه نفس القضية: يمكن أن نستشف أبرز النقاط المحورية والتى تعنى أن كلا البلدين لهما نقطة انطلاق مختلفة ومسيرة مغايرة تماما عن الأخرى ففى حين أن أثيوبيا تواصل العناد وترفض الاحتكام لمجلس الأمن.  ويقول مندوبها أن الاتحاد الإفريقى وليس مجلس الأمن  هو مكان القضية ...لكن نجد على العكس من ذلك فإن مصر والسودان هما بالفعل من بادرا وبدءا مسيرة مجلس الأمن. 


من جهته: أكد مندوب السودان لدى مجلس الأمن، أن لمصر الحق فى تدبير مواردها وفقا لمصالح شعبها. مشددا على ضرورة تلافى إثيوبيا كل تأثير سلبى لسد النهضة على دول المصب. وأكد الوزير شكرى، أن أزمة سد النهضة تهدد مورد المياه لـ 100 مليون مصرى وتشكل مخاطر على أمة بأثرها. لذلك لجأت مصر لمجلس الأمن لتجنب التصعيد فى هذه الأزمة. وأشار إلى مصر تدرك أهمية سد النهضة للشعب الإثيوبى ، لكنه يحيق المخاطر بالمصريين والسودانيين والإثيوبيين إذا تم ملء السد دون اتفاق.                                                                         
من جهتها، قالت المندوبة الأمريكية بمجلس الأمن:  ندعو كافة الأطراف للتعاون لحل أزمة سد النهضة. وأضافت المندوبة الأمريكية بمجلس الأمن، خلال جلسة مجلس الأمن لبحث أزمة سد النهضة، أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تحدث عن فرصة لاتفاق بشأن سد النهضة.وتابعت المندوبة الأمريكية بمجلس الأمن: ساعدنا فى تحقيق اتفاق بشأن سد النهضة.                                                            

شح المياه فى مصر أو نقص الطاقة بإثيوبيا:

إذا كانت أزمة المياه أو الشح المائي والخوف من العطش تمثل نقطة انطلاق مصر الرئيسية تجاه القضية فان قضية الطاقة أو توليد الكهرباء هى نقطة انطلاق إثيوبيا الرئيسية .. ومصر تقول إن إثيوبيا لها مصادر وفيرة من المياه تصل لحوالى ١١ نهرا من أحواض الأنهار الأخرى مما جعل البعض يلقبونها بأنها نافورة المياه فى أفريقيا  كما أن بعضها تتشارك فيها مع دول مجاورة، وهي الموارد التي توفر فُرصًا لا حصر لها للتعاون والتكامل الإقليمي. لكننا في مصر-وحسب قول الوزير- نعيش في أكثر مناطق حوض النيل جفافًا، وبلادنا الأكثر شُحًا في المياه على وجه الأرض. ونحن نعيش فيما لا يزيد عن 7% من أراضينا، وعلى شريط أخضر ضيق ودلتا خصيبة يُقيم فيها الملايين، كما يبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه حوالي 560 مترًا مكعبًا سنويًا، الأمر الذي يضع مصر على قائمة الدول التي تعاني من الشُح المائي وفقًا للمعايير الدولية. ومن ناحية أُخري، فقد حبا الله إخواننا في إثيوبيا بموارد مائية وفيرة تتضمن متوسط أمطار يصل إلى 936 مليار متر مكعب سنويًا من المياه.                                                                                                         
لكننا فى المقابل نجد أن قضية الطاقة وتوليد الكهرباء تمثل نقطة الانطلاق فى وجهة النظر الإثيوبية وهى تقول أن الريف المصرى فى معظمه يوجد به طاقة كهربائية كافية بينما أن إثيوبيا محرومة من الكهرباء بنسبة كبيرة وبالتالى من فرص التنمية. وأرجع زعم بلاده بحقها فى مياه أكثر من نهر النيل قائلا :" 60 فى المائة من الأراضي الأثيوبية قاحلة ومصر لديها مياه كثيرة".        
                                                
نقطة الانطلاق الرئيسية:                                                       

أيضا فإن إثيوبيا تنطلق من نقطة الصفر فى التفاوض ولا تعطى أى اعتبار للحقوق التاريخية المكتسبة لمصر أو الاتفاقيات القانونية المنظمة لمياه النيل سواء اتفاقية ١٩٠٢ أو ١٩٢٢ أو ١٩٥٩ أو حتى الحديث والمعاصر منها على نمط الاتفاق الموقع عام ١٩٩٣ بين مبارك وزيناوى..وهى فقط تعترف باتفاقية عنتيبى الموقعة عام ٢٠١٠ ومصر ليست عضوا بها أو منخرطة فيها ..وحتى اتفاق إعلان المبادئ الموقع فى مارس ٢٠١٥ بين كل من:مصر وإثيوبيا والسودان لا تقر به إلا فيما يخص باعتراف مصر بسد النهضة وتنكر كل الالتزامات والعهود الواردة فيه والمترتبة على إثيوبيا بعدم اضرار أى طرف بالآخر والاتفاق على قواعد الملء والتشغيل بالنسبة لسد النهضة.                                                                                       

وزعم المندوب الاثيوبى أن الاتفاقية التي أجريت بين مصر والسودان في 1959، حصلت القاهرة من خلالها على حصة الأسد من مياه النيل، ولم تترك شيئًا من المياه لإثيوبيا، وذلك على حد وصفه.                      

وفى المقابل ذكر وزير الخارجية المصرى أن مصر انخرطت خلال ما يقرب من عقد كامل من الزمان في مفاوضات مُضنية حول سد النهضة، وكان هدفنا خلال هذه المفاوضات الشاقة هو الوصول إلى اتفاق عادل يمكن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية المشروعة وفي نفس الوقت يقلص من الآثار العكسية والضارة لهذا السد علي المجتمعات في دولتي المصب.                                                                   

وقد عملنا وبذلنا الجهد للتوصل إلى هذا الاتفاق. هناك اتفاق تم إعداده برعاية الولايات المتحدة وبمساهمتنا ومن قبل البنك الدولي، وهو الاتفاق الذي قبلته مصر ووقعته بالأحرف الأولى ورفضت إثيوبيا توقيعه في آخر لحظة، رغم أنه وفر حلًا عادلًا ومتوازنًا يراعي مصالح كافة الأطراف ويحفظ حقوقها المائية.                                                                                                     

وانطلاقًا من رغبة مصر الصادقة في استكشاف كل فرص التوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، فقد شاركنا في الجولة الأخيرة للمفاوضات التي عقدت بدعوة من جمهورية السودان، إلا أن هذه المفاوضات لم تنجح، كما قبلت مصر دعوة فخامة الرئيس سيريل رامافوزا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا لعقد اجتماع غير عادي لهيئة مكتب القمة الأفريقية يوم 26 يونيو الماضى للتشاور حول هذا الموضوع.وقد هدف هذا الاجتماع إلى ضمان التوصل لاتفاق حول سد النهضة في أسرع وقت ممكن، وعليه تم الاتفاق على عقد اجتماعات فنية على المستوى الحكومي لتحقيق هذا الهدف خلال أسبوعين.كما التزمت إثيوبيا خلال هذا الاجتماع بألا تتخذ أي إجراءات أحادية لملء خزان سد النهضة قبل التوصل إلى الاتفاق، وهو التعهد الذي لا يمكن تفسيره إلا كالتزام واضح بضمان ألا يتم ملء سد النهضة إلا وفق قواعد تتفق عليها الدول الثلاث.                           

رؤية مستقبلية:ماذا تفعل مصر؟

أعجب كثيرون بالكلمة الموثقة والقوية والتى ألقاها وزير الخارجية المصرى/سامح شكرى بلغة إنجليزية راقية والتى لا شك أنها نتاج عمل ضخم لمؤسسة الدبلوماسية المصرية والتى لها صولات وجولات عبر التاريخ للدفاع عن المصالح المصرية الحيوية..خاصة ونحن فى مواجهة خصم يدعى أنه يريد التنمية ويخاطب العالم بذلك..بينما هو قريب  جدا من تسييس قضية المياه والتحكم فيها وأخيرا بيعها لمصر ولعل هذه هى العقدة التاريخية التى تدفع بها اثيوبيا وتزرعها فى وجدان الشعب..حتى لدى تلاميذ المدارس والمناهج المدرسية والأفلام السينمائية وعامة الشعب..ولا أذيع سرا اذا قلت أن العاملين الاثيوبيين  معنا فى المكتب الإعلامى بالسفارة  وحتى العاملين فى المنازل كانوا مشبعين بتلك الأفكار ولا يخجلوا من الدفع بها بشكل عملى وواضح فى مواجهتنا.. وكأنهم قد تلقنوا هذه الأفكار فى أذهانهم من الميديا والصحافة الإثيوبية؛وبالمناسبة الشعب الاثيوبى شعب قارىء ومثقف رغم فقره.                                                                                          

لكن فى المقابل يوجد تعتيم كنسي واعلامى للعلاقة التاريخية الطويلة ١٦٠٠ عاما بين الكنيستين:المصرية والاثيوبية..رغم انعكاس ذلك على الطقوس الكنسية فى اثيوبيا وعلى التقويم الاثيوبى الذى هو تقويم قبطى بالأساس والاختلاف الوحيد هو فى اللغة فقط..بينما أن الاصوام وأعياد الكنيسة سواء السيدية أوالصغرى..والصلوات والكتب الطقسية وكل شيىء بينهما واحد لأن التاريخ واحد بدون مزايدة.               ..

وفيما يخص الموقفين: الإقليمى والدولى من كل طرف نجد أن معظم الدول العربية وبعض القوى الدولية تؤيد مصر فى حين أن :قطر وتركيا وإسرائيل وبعض دول القارة الأفريقية ولأسباب عنصرية قد تؤيد اثيوبيا والمهم فى رأيي هو سلامة الموقف المصرى وصحة أسانيده القانونية سواء فى مواجهة وساطة الاتحاد الافريقى أو الأمم المتحدة ومجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية لاحقا وقدرتك فى النهاية على تدوير المفاوضات لتصب فى مصلحتك مؤخرا..خاصة وأن الموقف السوداني  قد بدأ يتطابق مع الموقف المصرى وهذه ميزة نسبية كبيرة تضاف إلى مصر رغم تعنت الموقف الاثيوبى لكن المعادلة تميل لصالح مصر حتى ولو بشكل بطئ وغير متسارع.                                                                                                     

لكن  موقفنا يظل هو أن الحل الناجع لمسألة سد النهضة يتمثل في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن، إلا أن مصر سوف تحفظ وتؤمن المصالح العليا للشعب المصري – فالدفاع عن البقاء ليس محض اختيار، إنما هو مسألة حتمية تفرضها طبيعة البشر...كما ذكر المسئول المصرى .وبالتالي، فإننا نناشد مجلس الأمن لحث الأطراف على التفاوض بحسن نية للتوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، والامتناع عن أي إجراءات أحادية حتى إبرام هذا الاتفاق... وحتى نصل إلى مُبتغانا هذا، يجب أن يظل الأمر قيد نظر المجلس في إطار اضطلاعه بواجباته.خاصة أن القضية تتعلق بمصير أكثر من ١٥٠ مليون مصري وسوداني. وفى نفس الوقت نعمل على المسار الأفريقى بنفس القدر والاهتمام والمتابعة.