الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سياسات الإسكان الجديدة فى حديث الرئيس


اليوم؛ تبدو رؤية حكومة مصر مختلفة بشأن سياساتها المتبعة فى ملف الإسكان والعشوائيات، من حديث الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال مؤتمر افتتاح المرحلة الثالثة لمشروع الأسمرات.

ملاحظات عدة تتعلق بملف العشوائيات؛ أولها يخص القاهرة، والتى سبق لها صياغة مخطط القاهرة الكبرى الاستراتيجى ٢٠٥٠ والإعلان عنه فى ٢٠٠٨ ، وقتها كان الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء الحالى رئيسا لهيئة التخطيط العمرانى، واستهدفت رؤيته التعامل مع مئات المناطق العشوائية واستغلال المزايا الاقتصادية للعاصمة فى صياغة مستقبل مختلف لها.

الآن؛ تتسارع رؤية القاهرة ٢٠٥٠ لتقترب مشروعاتها زمنيا وتنضم إلى رؤية ٢٠٣٠ ، وهو ما بدا لى فى حديث الرئيس اليوم واستجابة الوزارات والأجهزة التنفيذية وما يشهده الجميع على الأرض، لكن تعديلات رؤية حكومات ما قبل ٢٠١٤ تبدو أكثر إيمانا بحقوق الإنسان فى السكن الملائم والتعامل مع مفهوم دولي للتطوير والإحلال، ونتمنى أن تكتمل تلك الخطوات بحصر دقيق وحقيقي وموضوعي للسكان المستحقين للوحدات داخل المناطق المستهدفة، وتجاوز ما كان يؤخذ على أداء لجان الحصر قبل عقد مضى من ملاحظات.

لم نجد حالة تعاون مشترك حقيقي بين عدة وزارات وهيئات دفعة واحدة من قبل لتنفيذ مشروع قومى حقيقي للتخلص من العشوائيات وتطوير مناطق الإسكان الأهلي، هذه الحالة تنطق بها حماسة وأداء كل منها فى تشكيل حياة جديدة للمواطنين داخل أحياء باتت مناطق شعبية متعددة تغار من بيئة سكانها الجديدة، وربما أصبحنا أمام حاجة لقوانين خاصة لإدارة المناطق المطورة حتى نضمن حمايتها من أي إهمال أو تجاوزات.

وقفة جادة مع المخالفات البنائية وسياسات منح التراخيص داخل العاصمة والمدن القديمة؛ فى حديث الرئيس اليوم عن استعادة الدولة وجودها وحضورها ووقوفها ضد كل متجاوز للقانون، وهى مسألة تحتاج إلى دور تشريعي متعقل فى صياغة قوانين وتطويرها بطريقة تتكامل معها أدوار الجهات المختصة بتطبيقها والرقابة عليها.

يبدو لي فى حديث الرئيس إتجاها نحو خلخلة المناطق السكانية الأكثر إزدحاما، ودفع المواطنين نحو مجتمعات عمرانية جديدة متكاملة تنشط فيها حياة تليق بالبشر، وهو أمر سيتحقق بتصور الرئيس حول إيقاف التراخيص ومراجعتها وإعادة تنظيم البناء والارتفاعات ومراجعة مناطق الكثافة، بخلاف دخول البنوك شريكا فى عمليات تطوير مناطق الإسكان الأهلي بالتشاور مع سكانها أصحاب المصلحة الحقيقيين.

الرؤية تكتمل بالنسبة لمجتمع العاصمة التى تشهد معدلات هى الأعلى عالميا من التلوث، حين يتحدث الرئيس عن ضرورة ترخيص السيارات الجديدة حال تحويل وقودها من البنزين إلى الغاز، وهى زاوية جديدة تكتمل حالة تنظيم وسائل النقل بيئيا معها بدعم تسيير خطوط جديدة لشبكات مترو الأنفاق المتوقع وصولها لنحو ١٥ خطا خلال سنوات ليست ببعيدة.

حديث الرئيس عن عدم رد طلب أي مواطن لوحدة سكنية يعنى تحولا كبيرا فى السياسات الاقتصادية للحكومة، والبنائية، والسوق العقاري أيضا، ويعنى أن الحكومة باتت تعتمد قطاع العقارات كقاطرة للتنمية فى ظل تأثر قطاعات أخرى بأزمات دولية آخرها وباء كوفيد ١٩ الذى أسقط اقتصاديات دول وتلاعب بحركة التنقل والتجارة والسياحة أيضا. 

تأكيد الرئيس على أن سقف الاستحقاق المادي لشقة الشاب أو الأسرة يجب رفعه، مع تقنين جديد لمزايا الدعم النقدى المقدم من الدولة، وفوائد البنوك البسيطة الموجهة قروضها للتمويل، يحدد مسافة جديدة بين واقع دخول المواطنين وأجورهم الدفترية من ناحية؛ والسياسات المالية وبعضها يتعلق بالحد الأدنى للأجور وخط الفقر، والآخر بتقنين النشاط الاقتصادي غير الرسمي والذي ربما تتجاوز نسبته أكثر من نصف نشاط مجتمعنا.

التصور الرئاسي لتغطية طلبات المواطنين كافة على الإسكان يعنى ضرورة إحداث تغيير سريع لسياسات ولوائح صندوق التمويل العقاري لتصبح أكثر مرونة وسرعة فى إنجاز دوره، وتحديث مبادرات البنوك وشركات التمويل فى التعامل مع الأفراد، بخلاف تطوير قانون الإسكان الاجتماعى ذاتها مع التمويل العقاري ليصبح المستفيد بالوحدة السكنية مالكا حقيقيا لها بحصة في الأرض وليست الجدران وحدها، وتحرير مدة تصرفه فيها بالبيع أو الإيجار من بند السبع سنوات لإحداث إنتعاشة فى السوق العقاري من ناحية؛ وتسهيل حركة انتقال السكان للمجتمعات العمرانية الجديدة من ناحية أخرى.

التعاون بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني وأولها النقابات يضمن ظهور مجتمعات عمرانية متجانسة التركيب السكاني، إذا ما كانت عمليات التخصيص للوحدات مقترنة بفئات مهنية وشرائح متقاربة فى الدخل والمستوى الاجتماعي والعلمي والفكري، وقد أثبتت تجربة "إعلان النقابات" للإسكان الاجتماعي فى سبتمبر ٢٠١٦ نجاحا يكتمل بظهور قطاعات سكنية بها من المتآلفين الآلاف من الأسر حاليا.

سياسات الإسكان الجديدة فى حديث الرئيس تكتمل نجاحاتها بتعزيز إرادة شعب مصر فى تطبيق الدستور، وخاصة المادتين ٦٣ و ٧٨ منه، وبهما من الخصوصية فى احترام حقوق الإنسان فى تطوير مجتمعاته بالحوار والمشاركة، مع تحديد الفئات المستحقة للسكن المدعوم من الدولة، بجانب إشارة مهمة إلى دور الإسكان التعاونى وتعزيز الدولة لمشروعاته، وهذا القطاع يمكن أن يصبح شريكا أساسيا للحكومة فى خطتها، إلى جانب القطاع الخاص.

ويمكن للدولة تحفيز وتمكين أذرع الاستثمار خاصة فى قطاع الصناعة؛ بتشجيع بناء المستعمرات العمالية التى ظهرت نماذجها بالمدن الصناعية الكبرى قبل ٦٠ سنة، وستكون فرص الشراكات المتعددة فيها كبيرة، بخلاف برامج تمويلها، خاصة إذا ما أدركنا أنها تتفق تماما مع رؤية حكومية لنقل السكان وتوفير الطاقة فى مسافات إنطلاقهم وعودتهم يوميا بين مناطق سكنهم وتجمعات أعمالهم.

بقيت إشارة مهمة للرئيس؛ أن تكلفة إعادة تأهيل مناطق سكنية بالقاهرة، كانت تكفى لبناء عاصمة جديدة قبل عقدين، وهى حقيقة عطلتها سياسات الحكومات السابقة لنتحمل كلفتها اليوم، وهى إشارة جديدة إلى أن قراءة المستقبل ضرورة تذهب إليها حكومات دول تدرك مبرر وجودها لصالح شعوبها، وامتلاك أجهزة قوية رادعة للفساد المحتمل المعطل لأي عمليات تنمية تنفذها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط