الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب : آيا صوفيا.. والإخوة الأعداء؟!

صدى البلد

عندما تتأمل بدايات سورة الروم ستجد أن هناك ترابطًا بين أهل الشرك والكفر في كل زمان ومكان، فقد روى ابن جرير بإسناده عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه-أنه قال: كانت فارس ظاهرة على الروم، وكان المشركون بمكة يحبون أن تظاهر فارس على الروم، وكان المسلمون يحبون أن تظاهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، وهم أقرب إلى دينهم، فلما نزلت -سورة الروم-قالوا يا أبو بكر، إن صاحبك يقول إن الروم ستظهر على فارس في بضع سنين قال: صدق.


وتمنّي المسلمين انتصار الروم على الفرس لأنهم أهل كتاب، يؤكد يقينًا أن المجتمع المسلم لا يحتاج إلى وفاق سياسي، إنما يحتاج إلى وفاق اجتماعي، فالمجتمع العربي المسلم مصاب بعشرة أمراض كما يرى الدكتور خالص الجلبي، ويأتي في رأس قائمة هذه الأمراض:

1- تقديس الآباء، وهو ما كرره القرآن بتعبير "إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مهتدون".. 2- تأليه القوة، 3- احتقار العلم، 4- تبرئة الذات واتهام الآخرين، 5- إجازة الغدر، 6- الظن أن النص يغني عن الواقع أو مرض انفكاك النظرية عن الممارسة والتاريخ، 7- الاهتمام بفضائل الجهاد بدون معرفة بشروطه، وهو الخراج الذي فجر كل مشاكل العنف في المجتمع العربي، 8- رفض المسلمين للديموقراطية مع أنها أقرب إلى الرشد من كلّ ما عليه واقع المسلمين السياسي اليوم، 9- تمكن العقل الخوارقي الأسطوري في حياتنا وانحسار العقل العلمي، 10- الظنّ أنّ الأحكام لا تتغير بتغير الأزمان، أي كأنّ العدل لا يمكن أن ينمو أكثر فأكثر.


ويتعلق المرض الأول أي "تقديس الآباء" بهذه الحزمة من الأمراض التي تعد سببًا أساسيًا فيما يعانيه المجتمع من انقسام حاد تطبق فيه مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش: من ليس معنا فهو ضدنا، وتذكرنا بـ " دقيقتي الكراهية": لدى جورج أورويل ، فكل يوم تدعو وسائل الإعلام الناس لسب وشتم ولعن " جولدشتاين" عدو الوطن خلال “دقيقتي الكراهية"، وذلك من خلال تطبيق "سيكولوجية الحشد" عند "جوستاف لوبون"، بالتالي اندحر العقل والمنطق، وغابت الموضوعية والمنهجية في الحكم على الأحداث، فهناك من يعظم رفع الأذان في "آية صوفيا" وكأنه فتح جديد للقسطنطينية، لأن الأمر صار لديهم كما قال الشيخ محمد الغزالي " لقد نجح بعض الفيتان في قلب شجرة التعاليم الإسلامية، فجعلوا الفروع الخفيفة جذوعًا أو جذورًا، وجعلوا الأصول المهمة أوراقًا تتساقط مع الرياح".


وهناك من يحقر ويسفه من شأن ما جرى في "آيا صوفيا" دون فقه لقوله تعالى "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ". غير مدرك لفرح المسلمين بمكة بنصر الروم على الفرس، وغير واعٍ لقوله تعالى "مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ.." وهذه الآية في ختام سورة الفتح – ورجاءً دقق في اسم السورة- ترسم صورة عامة لهذه الأمة مؤلفة من عدة لقطات لأبرز صفات أتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فالقرآن يصورهم في اللقطة الأولى أنهم أشداء على الكفار، وفيهم آباؤهم وإخوتهم وذوو قرابتهم وصحابتهم، حتى أبت أم حبيبة بنت أبو سفيان بن حرب أن يجلس أبوها على فراش رسول الله، قائلة: هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس عليه.


كما أن سيدنا معاوية بن أبي سيفان أرسل لملك الروم - كما روى ابن كثير في البداية والنهاية- الذي أراد استغلال الصراع بين معاوية والإمام علي بن طالب - كرم الله وجهه- وتدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيها، فكتب معاوية إليه: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت".


وهنا ستدرك يقينًا أننا "الإخوة كرامازوڤ" أو "الإخوة الأعداء" لأننا نعيش في مجتمع ليس مصابا بمرض واحد بل بشعرة أمراض قاتلة فتاكة، جعلت منه مجتمعا للكراهية، كما يقول رئيس الوزراء الأردني الأسبق سعد جمعة، في كتابه " مجتمع الكراهية" واصفًا الواقع: فلا مكان لمودة وتراحم، ولا سبيل لتجمع وتلاحم.. وسهل من ثم الانقضاض على الفريسة لا تجد ما يحميها من المحن و يدفع عنها غائلة البلاء.. مجتمع عفن مهتوك، قد امتطى غارب الأحداث فيه السفهاء والجهلة وغثاث المعرفة والسلوك، يلوكون شعارات مجلوبة، ويجترون عقائد منخوبة، يتراشقون تهمًا ويتقاذفون شتائم، والحق غريب في وطنه، والشريف يتيم على موائد اللئام .. والقضية المقدسة في أيد نجسة في زمن قذر.. حتى ليكاد يشعر كل امرئ أن كل شيء مؤقت، كل شيء إلى ضياع، كل شيء إلى فساد وانهيار‍‌‌‍‍‍.