الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإخوة الغرباء


بعد ثلاث سنوات من المهانة داخل مراكز الرؤية، تحصل "محمود" على حكم قضائي، بضم صغيريه إلى والدته كطرف حاضن، لزواج مطلقته وإدانتها قضائيا بتعذيب ابنه "20 شهرا" قبل عامين، ولعدم انتقال حضانتهما لأم الأم بمرور المدة القانونية.


بهدوء؛ استمع الزميل المحترم لنصائح مهمة، بألا يحول الحكم القضائي النهائي إلى حالة للانتقام الاجتماعي المغلف بقوة القانون، والذى يقضى برؤية الأم وأهليتها لطفليها عبر مراكز الرؤية ثلاث ساعات أسبوعيا، كما فعلت معه مستغلة نفس القانون، رغم أنها لم تلتزم بالانضباط فى تنفيذ الحكم ما جعله يتحصل على أحكام بالتعويض ضدها أو يسقط أحيانا حضانتها مؤقتا.


كان قلبه يقترب أكثر نحو كل نصيحة تقربه من الخالق ورضاه، بغض النظر عن حالة الاستهزاء التشريعي والمجتمعي بأبوته وحقه ووالديه فى تربية ورعاية طفليه، واستقر به الحال على الانصياع لصوت العقل والضمير وقبلهما حكم الله، بحق صغيريه فى رعاية مشتركة ومعايشة بينه وعائلته وإياها وعائلتها، فلا ذنب لهما فى زواج وطلاق أبويهما، ولا دور لهما فى سن قانون جائر وضع تحت ضغط قوى وجماعات مصالح لتخريب البيوت وقبلها الذمم.


كانت مبادرته بأن يطلب تنفيذ الحكم القضائي بضم صغيريه إلى والدته، مع مبيتهما طرف أمهما ووالديها يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، وخلال الأعياد والإجازات لمدة أطول، مؤكدا أن حقهما فى أمهما وأهلها لا يمكن أن يضيع، كما أنها بعد زواجها من آخر أنجبت أخا لهما لا يحق لأحد حرمانهما منه.


كان رد الفعل من جانب أهلية مطلقته أكثر قسوة واعتداء وتحايلا على القانون والأحكام القضائية واستهزاء بما يقدمه من مبادرات طيبة لصلة الأرحام رغم سنوات التنكيل به وطفليه، فقد فوجئ باختفاء مطلقته وأهلها من محل سكنهم، واختفاء طفليه معهم، وعند ظهورهما بصحبة زوج أمهما لدى أهليته، اضطر لمقابلة والد زوج مطلقته والحديث معه بما يليق بالموقف، ربما وجد فيه وخبرته ومكانته ما يترجم صوت السماء والعقل بضبط الأمور.


كانت كلمات محمود واضحة وصريحة، "لن أقبل بابتعاد الصغيرين عن شقيقهما وهو حفيدك يا سيدى.. ولن أحرمهما صلة أمهما زوجة ابنك.. ولن أجعل أحدا يجبر ابنك على الذهاب بزوجته كل أسبوع لمقابلة طفليها معي داخل أسوار الرؤية، حتى القانون ذاته، فنحن عائلة تعرف تقوى الله ولا يليق بنا رد الإساءة بمثلها ولو كان القانون حاميا لأفعال مدمرة للعلاقات الاجتماعية والأسرية".


ارتضى الحضور كافة بمبادرة محمود وأيدوا رصانته وتقديره للموقف، لكن الرد من الرجل الذى يقترب من شيخوخته جاء قاسيا، "مال أهلى أنا بالأجيال الجاية والإخوة الغرباء عن بعضهم.. ابحث عن المثالية بين بشر غيرنا.. وابحث عن تنفيذ الحكم القضائي بضم طفليك بعيدا عنا".


ومع علم الرجل بمكانهما؛ أبلغ ابنه وأهلية زوجته بما حدث وأيدوا رد فعله تجاه الأب المكلوم على صغيرين يدمرهما القانون والعناد معا.


كانت المفاجأة فى اتصال محاميهم بالزميل يساومه على تجاهل تنفيذ الحكم القضائي بضم صغيريه إلى والدته، وإبقاء الحال على ما هو عليه، بمبيت ابنته " 8 سنوات" وابنه " 4 سنوات" مع زوج أمهما ووالديها، مع السماح له وأهليته فقط باستضافتهما لمدة 24 ساعة أسبوعيا مع أخذ ضمانات مالية جانبية ضده، وإلا بقيا مختفين عن الأنظار وما استطاعت قوة فى هذه الدولة تنفيذ حكم القضاء بضمهما لوالدته.


أي كارثة تلك التى حلت على ضمائر هؤلاء، وأي قانون سوى قانون الغاب الناتج عن تشريع مدمر لصلات الأرحام بات يحكم مجتمعنا ويعتدى على حجية الأحكام القضائية ويسقط منطوقها ومدلولها وحق الحاصلين عليها فى تنفيذها؟.


ثم هات من أصوات نسوية تعلو بعبارة "رجعوا الأطفال المخطوفين لأمهاتهم المطلقات قبل طلب تشريع يسمح بالرعاية المشتركة لهم"، أوليس هذا الصغير المعذب وشقيقته فى حكم المخطوفين "بمفهومهن" بعد انتقال حضانتهما إلى امرأة تستحق الدفاع عن حقها فى تنفيذ حكم القضاء بضم حفيديها لحضانتها، حتى تختفي تلك الأصوات وتتواري تلك الشخصيات التى دمرت رسالتها تعريفا تصريحا لحقوق الإنسان ككل وحقوق المرأة بعد تصنيفها وخلق تمييز صريح بين بنات جنسها؟.


إن رغبة إنسانية فى استعادة الاستقرار المجتمعى لا تقابلها سوى إرادة أكبر لتكريس الشقاق وخلق الصراعات والفتن العائلية، بالتشريع المنقوص الجائر أو الهمجية والبلطجة، وبين هذين تنشأ الفرقة ويحل الدمار وتغيب الأخلاق التى بعث الأنبياء لنشرها وإتمام مكارمها، وتلك كارثة نفقد معها قدرتنا على الحلم بالمستقبل.


لم نسمع أو نقرأ مؤخرا كل لحظة أخبارا عن جرائم جنائية متنوعة بقدر ما يتعلق منها بأسباب الصراع المجتمعي العائلي وسيرة الأزواج والمطلقين وأطفال الشقاق، ولم نعد نتعجب ظهور دعاة قطع صلات الأرحام وانتشارهم كتفشي تجار قطع غيار سيارات مستعملة ومدمرة فى حوادث يسيطرون على أراض فضاء ويجرفون الأرض الزراعية خدمة لنشاطهم، ولم تعد شريحة غير قليلة من الشباب مطمئنة لمشروع الزواج فى ظل التشريعات المتعلقة به حاليا.


أي مكتسبات جناها المدافعون والمدافعات عن امتيازات أبدية مزعومة لفئة من النساء المطلقات المتعنتات المدعومات بتشريع جائر، أو آباء حاضنين يعاقبون مطلقة على زواجها وسترها ثانية؟ وأي قانون اجتماعي يحكم عقول هؤلاء المفرقين بين الأشقاء الفرحين بظهور جيل جديد يتصدره الإخوة الغرباء؟.


إن حوارا مجتمعيا جادا حول قضايا الزواج والأسرة المصرية لا يمكن أن يستند على إصلاح أو تعديل قوانين قائمة على الإفساد والاستبعاد وتعزيز الشقاق والإلقاء بالملايين داخل ساحات المحاكم وإخراجهم من مسار وطنى وحلم قومى بالاستقرار والتنمية، ولا أقل من القبول بتبنى أعلى سلطة فى البلاد لحوار جاد حقيقي حول المستقبل وحماية حقوق الإنسان ككل لا يتجزأ أو يصنف طبقا لتقديرات جندرية.


ستكون النتيجة إيجابية بالضرورة إذا بنى الحوار على مبدأ الحقوق والمصلحة الوطنية والمجتمعية العليا والمشتركة، وليس على مبدأ المكتسبات والامتيازات وقد أثبتت تجربته انهيار وتفكك وصراع الملايين، وأعتقد أننا قادرون على استعادة قوتنا وتضافر جهودنا ووأد أسباب صراعاتنا بسن تشريع جديد عادل، يحمى الطفل ويستعيد اتزانه النفسي، والمرأة واستمرار عطائها، والرجل والأبوة المهدرة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط