الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد عمر يكتب: طاعون تجارة المخدرات

صدى البلد

انتشرت المخدرات بشكل مبالغ فيه في جميع أنحاء القري والنجوع والمدن الكبرى كذلك، مما استظهرها بقوة أمام الكل وبلا استثناء شخص أو طبقة، وهذا أثر في نفوس الأتقياء الذين لا يريدون بشباب جيلنا الوقيعة في مستنقع مشكلات التعاطي ونتائجها المفزعة من فراغ الحلم وهدم الذات.


ونحن نقر بأننا لسنا أمام ظاهرة استثنائية ظهرت من أيام وسنين، ولكنها مشكلة أصبحت من أساسيات مائدتنا الاجتماعية من عقود وعقود، وربما انتشارها الكاسح والذي طال كبيرنا وصغيرنا هو الذي كشف المستور عن ما نابنا من دمار قد شمل الفرد والجماعة المصرية بعامة، ومن ثم باتت محاولات التغيير والحل القاطع لتلك الظاهرة شيء من الضرورة والحتمية.. لا مجرد مشكلة عابرة أو ظاهرة.


وعندما نرى نحن الباحثين أو المثقفين أو المتعلمين مثل هذه الانتهاكات الجسيمة لا ينبغي علينا سوى المواجهة والاقتحام لفساد بدا هو الأوضح بين فسادات لو لم تخلصنا منها لخلصت علينا، ولا سبيل أمامنا إلا القضاء عليها إذا ما أردنا تقوية نسيجنا المجتمعي في وجه زمان لا يعترف بضعفاء أو كسالى أو متخدرين، وانما أكدت الظروف علي ضرورة أن تمتلك الدولة جيشين قويين؛ واحد يمتلك سلاحًا ويستطيع المواجهة والسيطرة علي أي وضع، وآخر مستعد كل الاستعداد لحمله إذا ما تطلب الأمر حربًا شرسة.. وفق مفهوم القدرة الشاملة.


قدرة شاملة وشعبية، قوة عددية هائلة اكبر من اي سلاح أو ذخيرة، كم منهم يصلح؟ وكم منهم أفسد؟ وكم منهم يسأل عن ضحايانا في الحرب التخديرية التي تمارس علينا؟ وأين المتآمرون؟ وأين حسابهم وعقابهم؟ ولماذا هم أحرار؟ هل هم مصريون؟ وهل بالفعل يعيشون بيننا؟ وهل هم انسانيون يشعرون بأفعالهم الوحشية تجاه عقول ابنائنا؟ ومن يمتلك ملفهم الأسود؟ وكم حرزت من مخدرات مقابل ما نراه منها في شوارع وميادين مصر عبر كل ساعة ويوم؟.


لقد عودتنا الظروف التي مررنا عليها بأن لا نحيل مشكلة قومية لجهة حكومية بمفردها، ولم نر نجاحًا ملحوظًا لمهمة وطنية دون أن يتشارك فيها القوة المجتمعية مع الحكومة، وهذا التعاون الفعال لابد أن يستثمر كاتجاه ناجح في مواجهة التحديات المستعصية كالتحرش والكورونا ولاسيما المخدرات.


وعلينا أن نعترف كل الاعتراف بقصورنا في التصدي لهذه الكارثة وتركها لأجيال وأجيال، وتفاقمات وتفاقمات، إلي أن وصلنا لنهاية المطاف والاختيار بين القضاء علي المخدرات أو القضاء علي أنفسنا بفعل فاعل.. وهو تجاهلنا الشديد ظنا منا بأن لا يطالنا مكروه، ومكاننا الطبيعي لا يسمح لنا قط بأن نخدر إذا ما أردنا أن نصل إلي مرحلة "الأمان العالمي".


الأمان الذي يبتدئ من الفرد كوحدة أولية في بناء المجتمع؛ فإذا أحس الإنسان مسئولية الحفاظ علي ذاته كي يحافظ علي أسرته ومجتمعه، استشعرنا قوة المجتمع السليم بدنيًا وعقليا ونفسيًا، ثم ارتقينا الي الأمان الذي يضمن لنا بقاءنا بين الدول والأمم في أوقات الازمات والصراعات، ووقت الاستعداد للحرب الذي يضمن لنا السلام.


تبدأ المشكلة المجتمعية بظاهرة، وتنتهي بكارثة إذا ماستطعنا بترها وإزالة أثرها اولا بأول، وإذا فشلنا وانتشرت وسادت وأصبحت عادة مجتمعية؛ أصبحت شيئا مألوفا نتحدث عنه ونمارسه بارتياح وثقة ودون حرج أو كسوف، وكأننا ولدنا بها.. أو خلقنا من أجلها!


والمخدرات لم تصبح بعد اليوم مجرد ظاهرة طارئة علي مجتمعنا، ولكنما أصبحت محتوى وسلعة؛ لها انواعها القديمة والمستحدثة والجديدة، ولها زبائنها علي اختلاف طباعهم وطبقاتهم، ولها كذلك الاسعار المناسبة والجذابة والتي علي أساسها تتحقق النظرية الصينية في الاقتصاد والتي غزت العالم، والمخدرات وفقها غزت كل أرجاء مصر بعدما أصبحت تتشابه مع طقوس المصريين في تناول اطعمة معينة في أوقات معينة، أو كجرعة دواء إن لم يأخذها المريض مات.. أو قهر!


كما ظلت تتوغل وتتوغل إلي أن وصلت إلي كل الأعمار السنية وكل الطبقات الاجتماعية.. وأطفالنا، وأتحدى إن لم ير واحد منا طفلا يتعاطى الفوتو أو الاستروكس أو علي أقل تقدير "يشم كولا" أو يأخذ جرعة محدودة من المخدر الشعبي في مصر "الترامادول"؛ الذي يوهم بالقضاء علي التعب والزعل الناجمين من البطالة والقصور الجنسي فيما سيأتي!!


كم من الشباب نعرفهم ونجاورهم ونصادقهم.. غرقوا في دوامة الادمان؟ وكم منهم لا يعمل؟ وكم منهم بقى..؟ وما هي دوافع التعاطي والادمان؟ وما هي نتائجهما؟ أظن أن النتائج قاسية بأن تذكر، ولكني سأتركها لكم لتستطردوها بشكل سريالية وذاتية رغبة مني بتحملكم بعض الهم الذي أصابني وأعياني.


تجار المخدرات.. تجار الوهم.. مصيبتنا الكبرى.. المحتلون الحقيقيون الذين افسدونا وشبابنا.. الناهبون لثروتنا البشرية.. العابثون بأمننا القومي.. الذين يضربون بتجارتهم غير المشروعة.. احلام أمتنا المشروعة التي تحلم بأن تتقدم وتنجى وتأمن بالسلاح والكفاح والعمل بين عالم قانونه النافذ "القوة العسكرية والاقتصادية"، وكيف نصمت وطاقتنا الإنتاجية خمسة وستون مليون شاب؟!


خمسة وستون مليون فرصة عمل.. خمسة وستون مليون عقل مفكر.. خمسة وستون مليون مستقبل.. لا يملكون أكثر من أربعين مليار دولار كاحتياطي نقدي!!! ألسنا في كارثة بينة تستدعي المواجهة الفورية لوقف استنزاف القوة الحقيقية للبلاد؟ أعتقد أننا أمام صندوق فساد كبير.. ولكن من سيتشجع ويقوم بفتحه أو اقتحامه؟!


وأخيرا .. مناشدة ورجاء.. أنقذوا ماتبقى من الشباب لتنقذوا بهم مستقبل وطن تحيق به عدائيات من كل جانب وطريق، وان لم تفعلوا فكفوا عن أي تنمية ايا ما كانت ؛ فالتنمية لا يقوم بها متخدرون ولا تمسهم بصلة ، ولا تعرف انسانا متخدرا لا يتذكر ماذا جرى امس، ولا يقدر أن يفرق بين واقع وحلم.


وإن أردنا وتكاتفنا وتحملنا المسئولية الكاملة تجاه شباب قد كهلوا بالظروف والضغوط والإصلاحات الاقتصادية القاسية والتقلبات السياسية المتعاقبة؛ وصلنا الي أهدافنا من الخطة السياسية التي تحاول وتسعى كل السعي في قيام "التنمية الحقيقية في الإنسان المصري"، والقضاء علي المخدرات يمثل خطوة كبيرة في التنمية المستدامة والشاملة، والتي تستدعي بالضرورة أناسا اصحاء واعين أكفاء.