الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: رامي وشعلان

صدى البلد

دائمًا ما تزهو مصر بأُدَبَائِها و شعرائها على مر العصور، و لعل كل من شاعر الشباب أحمد رامي و الشاعر الصاوي شعلان من هؤلاء الشعراء الذين أثروا الحياة الثقافية بإبداعاتهما في الشعر و تقديم العديد من الدواوين الشعرية للمكتبة العربية..


وهذان الشاعران تحديدًا لهما تجربتان فيهما الكثير من التشابه، والخصوصية أيضا، فقد استهوى الشاعر أحمد رامي ما قرأه من ترجمة لما هو معروف "برباعيات الخيام" المنسوبة إلى عمر الخيّام، وهو شاعر فارسي، وعالم في الفَلَك والرياضيات. ولعل تلك الرباعيات قد كُتِبَت في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، وكلمة رباعيات من صيغة الجمع للكلمة العربية رباعية، والتي تشير إلى قالب من قوالب الشعر الفارسي وهي عبارة عن مقطوعة شعرية من أربعة أبيات تدور حول موضوع معين، وتكوّن فكرة كاملة وفيها إما أن تتفق قافية البيتين الأول والثاني مع الرابع، أو تتفق جميع الأبيات الأربعة في القافية.


وكلمة رباعيات تشير، عامة إلى أي مجموعة من مثل تلك المقطوعات. وتتألف رباعيات عمر الخيام من رباعيات يُفْتَرض أنه ناظمُها، وبمرور السنين، نُسبت إليه أكثر من ألفي رباعية ليست كلها من نظمه و كان أشهر من ترجم هذه الرباعيات الى الإنجليزية، الشاعر البريطاني ادوارد فيتز جيرالد مما جعلها ذائعة الصيت في الأوساط الثقافية، مما شجع أحمد رامي لتعلم اللغة الفارسية أثناء دراسته في جامعة السوربون بفرنسا حتى يتمكن من ترجمة هذه الرباعيات للعربية مباشرة وهو ما حدث بالفعل في عشرينيات القرن الماضي، و من ثم و بعد صدور هذا الديوان المترجم عن الفارسية في تجربة جيدة بربع قرن تقريبا، تقرر السيدة أم كلثوم - كوكب الشرق و سيدة الغناء العربي – أن تغني بعض الأبيات المختارة من هذه الرباعيات الشهيرة مما يزيد من شهرة هذه الأبيات و يُوسع انتشارها وأي انتشار حين تقترن بصوت هرم مصر الرابع و يستمع الناس في منتصف القرن العشرين لذلك الصوت يشدو:


سَمِعتُ صوتًا هاتفًا في السَّحر .. نادى من الغيبِ غُفاةَ البَشَر
هُبّوا املأوا كأسَ المُنى قبل .. أن تملأَ كأسَ العمرِ كَفَّ القَدَر

 
من ألحان العبقري الموسيقار رياض السنباطي و يكون هذا تتويجًا لذلك الجهد المبذول من شاعر الشباب أحمد رامي في تعلُم الفارسية و ترجمته بإبداعٍ منقطع النظير لتلك الرباعيات.


ونأتي للتجربة المشابهة التي قام بها الشاعر الصاوي شعلان الذي يقل شهرة عن رامي و الذي يصغره بعشر سنوات تقريبا بينما توفيا (الشاعران رامي و شعلان) في بداية ثمانينيات القرن العشرين بعد عمر حافل بالإبداع..


الصاوي محمد شعلان الأزهري الكفيف الذي رأى ببصيرته ما لا يُرى بالبصر و الذي يُعد من النماذج المدهشة في تحدي الإعاقة؛ فقد تعلم أيضا اللغة الفارسية والأردية و نقل عنها ترجمة لقصيدتين شهيرتين للشاعر و الفيلسوف الهندو باكستاني محمد إقبال الذي رحل في نهاية ثلاثينيات القرن العشرين قبل أن تنفصل الهند عن باكستان.


وهاتان القصيدتان اللتان أطلق عليهما اقبال "الشكوى، و جواب الشكوى" و اللتان كتبهما باللغة الأردية، قام شاعرنا الصاوي شعلان بمساعدة محمد حسن الأعظمي في الترجمة و دمجهما  و أعاد نظمهما في قصيدةٍ واحدة تحتوي على أبيات تأخذ قارئها الى عالم الروح و تتجاوز به مجرتنا - درب التبانة – الى مجرات أخرى غاية في السمو و الشفافية، حيث "حديث الروح".


ومما أثرى التجربة و منحها اذاعة الصيت أيضا اختيار أم كلثوم لبعض أبيات هذه القصيدة البديعة لتشدو بها في عام 1967:

حديث الرُّوح للأرواح يسْـري *** وتُدركهُ القلوبُ بلا عنـاءِ
هتفتُ به فطارَ بلا جنـاحٍ *** وشقَّ أنينُه صدرَ الفضـاءِ
ومعدنُه ترابيٌّ ولكـنْ *** جرتْ في لفظه لغةُ السمـاءِ
لقد فاضت دموعُ العشقِ منِّـي *** حديثا كان عُلويَّ النِّـداءِ
فحلَّق في رُبى الأفلاك حتَّـى *** أهاجَ العالمَ الأعلى بُكائـي


من ألحان السنباطي أيضا لتخلّد أم كلثوم هاتين التجربتين الفريدتين بالاشتراك مع رياض السنباطي ليظل الجمهور المحب للشعر أو الأدب أو فن الغناء يستمتع بما أبدعه الثنائي رامي- شعلان من تجربة ترجمة الشعر عن الخيام وإقبال.