قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الشراء الموحد والتسعير الموحد


منذ ثلاث سنوات كتبت عن نجاح الجيش فى كسر الاحتكارات فى مجال استيراد السلع الأساسية، دور عظيم لولاه لتضاعفت أسعار السلع المستوردة عدة مرات، وطرحت فى نفس المقال فكرة تحديد هامش ربح لكل السلع التى تشتريها الحكومة من الداخل والخارج.

ثم أعلنت الحكومة بعد ذلك عن إنشاء هيئة الشراء الموحد لتكون مسئولة عن توريد كل الأدوية والمستلزمات الطبية للمستشفيات العامة فى مصر، فكرة ممتازة وتطبيقها بصورة صحيحة سوف يؤدى إلى توفير مئات الملايين لخزينة الدولة المثقلة بالأعباء، ويغلق أى باب للفساد فى أى لجنة مشتريات فى أى مستشفى، ولكن بعد أن بدأت الهيئة فى إبرام بعض العقود المسماة عقود الطوارئ، شعرت بالقلق الشديد من فشل الهيئة فى تحقيق ما كنا نتمناه من تأسيسها، وأن تتحول الهيئة إلى أداة قانونية لتوفير منتجات الشركات الأجنبية على حساب منتجات الشركات الوطنية.


لذا سوف أستعرض فى مقالى هذا بعض هذه الهواجس التى دارت وأنا أتابع بعض هذه الإجراءات، ولا أخفى عليكم أننى توقعت بعضها لمعرفتى بكيفية إدارة شركات الأدوية العابرة للقارات للعمل فى الدول النامية، حيث الصراع على كعكة توريدات المستشفيات الحكومية صراع قاسٍ لا يعرف الرحمة، صراع وجود رهيب بين منتجات مستوردة يقف خلفها لوبى مصالح قوى وشركات وطنية تحاول البقاء فى ظل هذا الصراع الوجودى.


فشركات الدواء العالمية الكبرى مشكلتها الأساسية فى الدول النامية هى الصناعة الوطنية فى هذه الدول، ولذا تعمد إلى التشكيك فى فاعلية الأدوية المحلية وفى مصادر المواد الخام التى تشتريها هذه الشركات الوطنية، فى ظل صراع وجود موجود فى مصر وفى كل دول العالم تقريبًا، وأخشى أن تكون الشركات الأجنبية قد وجدت ضالتها فى طريقة عمل هيئة الشراء الموحد فيما يعرف بالاسكورنج سيستم، حيث نظام تقييم يعتمد على عدة نقاط أستطيع أن أقول بكل ثقة إنه مستحيل توافر بيانات حقيقية لمعظمها، وهذا عن خبرة عشر سنوات سابقة فى مناقصات الأدوية مع إحدى كبرى شركات الدواء العالمية العاملة فى مصر.


لذا فإن نظام تقييم الأدوية المعمول به فى هيئة الشراء الموحد بحاجة إلى مراجعة، لأنه يتناسب مع توفير احتياجات مستشفى واحدة صغيرة لديها قاعدة بيانات عن حياة كل المرضى وطبيعة سلوكهم وتاريخهم المرضى كاملًا، ولا يتناسب نظام تقييم الدواء مع مريض يذهب إلى الصيدلية ليشترى نصف العلاج أو يشتريه ويأخذ جرعة يوم ثم فى اليوم الثانى يذهب إلى طبيب آخر ليصف له علاجا غيره، فهو نظام تقييم يتناسب فقط مع شركات الدواء العابرة للقارات التى تريد أن تبيع دواءً مستورد بعشرة أضعاف ثمن مثيله المصرى تحت مسميات براقة.


هذا من ناحية الأدوية، أما من ناحية المستلزمات الطبية، فهى قصة أخرى طويلة تحتاج إلى كتاب وليس مقالا لتنوعها وتنوع بدائلها، ولكن الفيصل فيها هو أن هيئة الشراء الموحد لكى تعمل بشفافية تامة عليها اتباع مبدأ فتح التوريد للجميع مع تسعير كل المستلزمات الطبية على موقعها، بمعنى أنها تقوم بتسجيل كل الشركات العاملة فى هذا المجال كموردين سواء محليين أو مستوردين، ثم تقوم بوضع سعر توريد لكل مستلزم طبى بناءً على فواتير الاستيراد أو فواتير بيع المصانع، مضاف إليها تكاليف النقل والضرائب وهامش ربح معقول يغطى مصاريف التشغيل ويضمن ربح للشركة الموردة، فلا أحد سيعمل بدون ربح.

ثم يتم عرض كل الطلبات على موقع هيئة الشراء الموحد بحيث يكون متاحا للجميع الاطلاع عليها، ومن يرتضى التوريد بهذه الأسعار أو أقل منها يقدم عرض سعر إلكترونيا، ويكون التعامل أون لاين وبدون احتكاك مباشر بين الموردين والموظفين فى الهيئة تيسيرًا على الجميع ولإضفاء مزيد من العدالة والشفافية فى التعاملات.


أما أن يتم توقيع عقود توريد أدوية أو مستلزمات طبية تسمى عقود طوارئ، مع شركات دون غيرها، وبدون أى معايير معلنة للجميع، فهذا لا يختلف كثيرًا عن ما كان يحدث فى بعض إدارات المشتريات، من تلقى عروض أسعار من شركات دون غيرها، ومن أشياء أخرى لا مجال لذكرها.


لذا أتمنى، ولا أملك فى هذا البلد غير التمنى، أن يكون كل شيء معلنا للجميع على موقع هيئة الشراء الموحد، لضمان الشفافية والعدالة، والعدالة تأخذنا إلى عدالة توزيع فرص التوريد، وهو شيء لا أخفى عليكم أنه يسبب قلقا لكل الشركات الصغيرة والمتوسطة فى مصر، ولهم كل الحق فى هذا القلق، لأن قصر التوريد على الشركات الكبرى فقط، سوف يؤدى إلى إغلاق الشركات المصرية الصغيرة والمتوسطة، وهى شركات توفر مئات الآلاف من فرص العمل للمصريين.


ومبعث القلق أن كل الأحاديث الجانبية تدور حول مناقصات كراسة الشروط فيها تتجاوز قيمتها الخمسين ألف جنيه، والتأمين الابتدائى قيمته عدة ملايين، ورأس مال معظم الشركات الصغيرة قد يكون أقل من ثمن كراسة شروط واحدة لأى مناقصة للهيئة، فأين يذهب هؤلاء؟ وما الفائدة من شراء سلعة من شركة أجنبية بمائة مليون دولار إذا كان من الممكن شراؤها بنفس القيمة من عدة شركات مصرية وبالجنيه المصرى؟


الموضوع طويل ويحتاج إلى عدة مقالات، ويحتاج قبل المقالات إلى إجراءات عاجلة من دولة رئيس الوزراء لمراجعة آليات العمل فى هيئة الشراء الموحد، من أجل الحفاظ على فرص عمل أبناء مصر وبقاء مصانع مصر مفتوحة، وبالتأكيد توفير أموال ميزانية مصر لمصر.