الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اتفاقات إبراهيم.. كيف سيرد محور قطر - تركيا- إيران على زلزال الشرق الأوسط الجديد

صدى البلد

لا صوت يعلو الآن فوق صوت "اتفاقات إبراهيم" التي وقعتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل بالأمس في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تعتبر بمثابة زلزال دبلوماسي وسياسي في المنطقة يترقب الجميع توابعه سواء قصيرة أو بعيدة المدى.

وفي ضوء ما قاله وزير الدولة الإماراتي، أنور قرقاش، بأن اتفاق السلام الإماراتي مع إسرائيل عبارة عن "تغيير في المقاربة وليس الأهداف" وأن "التطورات المتسارعة في المنطقة مؤشر واضح نحو ضرورة مراجعة استراتيجيات لم تؤت ثمارها ونبذ سياسة المحاور"، وفي ضوء القانون الفيزيائي الشهير "كل فعل له رد فعل" فإن هذا التغيير في المقاربة سيقابله تغييرات كثيرة في معادلات المنطقة.


في مقال له على موقع "ميدل إيست آي" ومقره لندن، قال المحلل السياسي الإيراني ماهان عابدين، إن اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي سيكون له تأثير هائل على الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط على المدى الطويل، أو كما قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه يؤسس لشرق أوسط جديد.

وأضاف أن الاتفاق الذي يقضي بالتطبيع الكامل للعلاقات  تم تأطيره على أنه اتفاق مواجه للنفوذ الإيراني في المنطقة، ويرى أنه سيذهب إلى أبعد من ذلك، فهو "على عكس اتفاقيات السلام السابقة التي أبرمتها إسرائيل مع مصر في 1979 والأردن في 1994 ، والتي ظلت على مستوى الدولة الرسمي ولم تسمح بتغلغل أعمق للمجتمع، فإن التقارب مع الإمارات العربية المتحدة يجلب إسرائيل إلى قلب المنطقة من خلال تطوير رأس المال السياسي والاقتصادي والثقافي في الإمارات العربية المتحدة". 

وأضاف أن إسرائيل ستعمل على أن تكتسب القدرة على التأثير على الأحداث في جميع أنحاء المنطقة، فيما يتعلق باليمن ودول الخليج الأخرى، وحتى العراق.

واعتمد الكاتب في رأيه هذا على ما هو معلن من الاتفاق، والذي تقول التواريخ السابقة أنه قد لا يتحول بالضرورة إلى واقع بشكل كامل، فعلى الرغم من أن الاتفاق يقضي بالتطبيع الكامل والتعاون في شتى المجالات، فهناك تقارير تشير إلى أن التمثيل الدبلوماسي سيكون تدريجيا، ولن يتم تبادل السفراء أو إنشاء سفارة في وقت قريب، على عكس ما قاله ترامب خلال التوقيع، الذي لا ينهي بالضرورة الخلافات في الكواليس بين أبوظبي وتل أبيب، والتي من بينها صفقة مقاتلات "إف 35" التي وافق ترامب على بيعها للإمارات، والتي عارضها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو علنًا في السابق.

قال الكاتب إنه "في هذا السياق، تعتبر الصفقة خبرًا سيئًا للغاية بالنسبة لتركيا وقطر، فالدولتان في طليعة تطوير بنية إقليمية أيديولوجية - أمنية بديلة تختلف عن الإيديولوجية المحافظة في دول الخليج العربي الأخرى ومصر وكذلك ما يسمى بمحور المقاومة الإيراني".

وبناء على ما تلك المقدمات، من المنتظر أن يكون رد الفعل قادم من قبل من ينعكس هذا الاتفاق بالضرر عليهم، ويقول الكاتب إنه "لمنع الاصطفاف الإماراتي الإسرائيلي من اكتساب زخم استراتيجي يغير قواعد اللعبة في السنوات المقبلة، سيتعين على إيران وتركيا وقطر العمل معًا بشكل أوثق، ليس فقط مواءمة سياساتها واقتصاداتها، ولكن بشكل حاسم مواقفها الاستراتيجية أيضًا".

وشرح أن "تركيا تنظر إلى إيران باعتبارها منافس إقليمي لكن هذه العقلية يجب أن تتغير"، وإلا فإن التغيرات الجديدة والتعاون الخليجي الإسرائيلي قد يجدث أضرارًا استراتيجية كبيرة عليهم في المستقبل القريب.

اعتبر الكاتب أنه لا يوجد شك في أن إيران هي الخاسر الأكبر من التقارب الإماراتي الإسرائيلي، على الرغم من إنكار أبوظبي استهداف الصفقة لطهران، لكن الأخيرة اعتبرت الصفقة تهديدًا كبيرًا لمصالحها الاستراتيجية الإقليمية.

تقول الإمارات - بالإضافة لحديث قرقاش- إن الاتفاق مع إسرائيل يصب في الأساس في صالح القضية الفلسطينية، وهو ما أكده وزير خارجيتها عبد الله بن زايد بقوله في البيت الأبيض إن "الاتفاق سيمكننا من مساعدة الفلسطينيين أكثر"، وذلك لأنه يضع أبوظبي في موقف تفاوضي أكثر قوة، بحسب تفسيرات محللين.

ويواصل الكاتب تحليله بأن خوف إيران يأتي من فكرة "تأثير الدومينو" أي أن تتجه عدة دول أخرى لتوقيع اتفاقات مماثلة مع إسرائيل على غرار الإمارات والبحرين، مثل عمان والسودان، وربما السعودية بحسب ما قاله ترامب، ما من شأنه أن يكثف شعور إيران بالحصار، خاصة وسط حملة "الضغط الأقصى" الأمريكية، التي تسعى إلى تغيير سلوك إيران الإقليمي بشروط تمليها واشنطن.

وأشار إلى أنه "على المدى المتوسط ​​إلى الطويل، تخشى إيران من اختراق إسرائيلي واسع النطاق في المنطقة في مجموعة واسعة من المجالات، من الطاقة والبترول، إلى التدخل السياسي والتعاون الاستخباراتي.

وفي إشارة إلى القلق العميق في طهران، حذر رئيس أركان الجيش الإيراني، اللواء محمد باقري، الإمارات من أن "نهج" إيران تجاه الإمارات سيتغير في ضوء الاتفاق مع إسرائيل. وقال في بيان شديد اللهجة إن إيران ستحمّل القادة الإماراتيين "المسؤولية" إذا تضرر أمنها القومي نتيجة للاتفاق.

وفي إشارة محورية، قال الكاتب إن "السؤال الرئيسي في هذا المنعطف هو ما تخطط إيران للقيام به لتقويض الصفقة والتخفيف من آثارها السلبية المحتملة، لا سيما في مجالات الدفاع والأمن. ستمارس إيران بلا شك ضغوطًا أكبر على كل من إسرائيل والإمارات لحملهما على التفكير مرتين قبل الشروع في مشاريع أمنية ودفاعية مشتركة كبرى".

وأضاف أن "ممارسة الضغط على إسرائيل أسهل، كما يتضح من تطويق إيران لإسرائيل من الشمال عبر حليفها اللبناني حزب الله، ومن الجنوب عبر الجماعات الفلسطينية المسلحة. إن ممارسة الضغط على الإمارات أصعب، لأسباب ليس أقلها أن إيران لديها علاقات دبلوماسية مع الإمارات وهناك بالفعل نزاع ثنائي على ثلاث جزر في الخليج. بالإضافة إلى ذلك، يعيش مئات الآلاف من الإيرانيين في الإمارات العربية المتحدة ، لا سيما في دبي، مما يخلق نفوذًا وقيودًا لكلا البلدين - ويؤكد الحقيقة الأكبر المتمثلة في أنه بغض النظر عما يحدث، يحتاج البلدان إلى الاستمرار في المشاركة".

وأوضح أنه "يمكن لإيران أن تقوض الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية من خلال التواصل مع الدولتين اللتين تشاركها بعض المصالح السياسية والاستراتيجية وحتى الأيديولوجية. ستتأثر كل من تركيا وقطر سلبًا بالتقارب الإماراتي الإسرائيلي".

ولفت إلى أن تركيا غاضبة بشكل خاص، حيث تتعارض اتجاهاتها مع الإمارات في ليبيا، كما أنها على خلاف مع الإمارات في سوريا، حيث اتهم مسؤولون أتراك الإمارات بتقديم دعم مالي ولوجستي لحزب العمال الكردستاني شمال شرقي سوريا، فضلا عن الخلافات الشديدة بين أنقرة وأبوظبي حول العلاقات مع قطر.

وعن تركيا وقطر، بيَن الكاتب أنه "إلى جانب مصالحهما السياسية المشتركة، فإن تركيا وقطر نظامان أيديولوجيان، بقدر ما تشترك وجهات نظرهما السياسية ورؤاهما الاستراتيجية في التعاطف بدرجات متفاوتة مع أيديولوجية الإخوان. في حين أنهما لم يطورا بعد هياكل مشتركة متماسكة ومستدامة للنهوض بسياساتهما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن تركيا وقطر غالبًا ما تعملان بشكل منسق، لا سيما في سوريا، وبدرجة أقل في ليبيا".

وأكمل:"على النقيض من ذلك ، تمتلك إيران وسيلة متطورة للغاية للترويج لمشروعها الأيديولوجي ومصالحها السياسية ورؤيتها الاستراتيجية عبر المنطقة. يعتبر محور المقاومة - الذي يجمع إيران وسوريا (وبدرجة أقل العراق)، ومجموعة واسعة من القوات شبه الحكومية بما في ذلك حزب الله وحماس والحوثيين في اليمن - القوة الاستراتيجية الإقليمية الأكثر ديناميكية".

واستدرك قائلا:"على الرغم من الزخم المستمر لمحور المقاومة، فهناك الآن كل خطر من أنه قد يواجه عقبات رئيسية - يحتمل أن تكون لا يمكن التغلب عليها - حيث تحشد الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة جميع مواردها لمواجهة إيران".

وعلى صعيد المشاريع الاستراتيجية طويلة الأمد، قال :"لقد أثبتت إيران وقطر وتركيا بالفعل القدرة على العمل في مشاريع طويلة الأجل. قامت إيران وقطر، على سبيل المثال، بتجميع مواردهما وخبراتهما في تطوير مشروع الغاز الطبيعي البحري جنوب فارس / القبة الشمالية. بالنسبة لإيران وتركيا، يتمتع البلدان بتاريخ طويل من العلاقات الثنائية القوية - وعلى الرغم من التوترات الأخيرة بشأن سوريا، فإن علاقتهما لا تزال مستقرة نسبيًا".

ولكنه عاد ليؤكد أنه "في وضعهما الحالي، لا يمكن أن تأمل تركيا وقطر في الإخلال بتوازن القوى مع دول الخليج العربي المحافظة ومصر. أفضل ما يمكن تحقيقه فيما يتعلق بؤر التوتر بالوكالة، ولا سيما ليبيا، وهي في طريق مسدود بشكل ملحوظ".

وأردف:"ومع ذلك، إذا أرادت الدول الثلاث تجنب التهميش من قبل الدول العربية المحافظة، وإسرائيل والولايات المتحدة ، فإنها بحاجة إلى تنحية خلافاتهم والقصور الدبلوماسي جانبًا من خلال وضع علاقتهم المشتركة على مستوى إستراتيجي" وهو ما يتوقع.

من الجانب الفلسطيني، لا يزال زخم توقيع الاتفاقات المفاجئة يثير حالة من الفوضى حول موقف الأاطراف، فلسطين والإمارات والبحرين وإسرائيل والولايات المتحدة.

وتؤكد الإمارات والبحرين أن المقاربة الجديدة لا تتخلى عن الفلسطينيين بل العكس، في حين يبدو أن هذا الحديث لم يقنع السلطة الفلسطينية، حيث أصدرت الرئاسة الفلسطينية بيانا يندد باتفاقات إبراهيم، بينما وافقت إسرائيل على استحياء على وقف خطط الضم، وتقول تقارير أن الخطط أرجئت إلى عام 2024، فيما يبدو الرئيس الامريكي غاضبًا من السلطة الفلسطينية ولكنه يعدهم بالكثير من الميزات من بينها موافقته على حل الدولتين - الذي تقوضه الخريطة التي قدمتها خطة السلام في الشرق الأوسط- والعمل على تحسين حياة الفلسطينيين، بشرط عودة السلطة للانخراط في المفاوضات، لكن الأخيرة لا تثق في الرئيس الجمهوري المتهور فيما يتعلق بمصالح إسرائيل.

في النهاية، فإن الحكم على الخطوة الإماراتية والبحرينية، وربما السعودية والعمانية والسودانية فيما بعد، سواء كان قائما على منطق عاطفي أو سياسي بحت لا يزال مبكرًا للغاية، وخلال العقود السبع، عمر الكيان الصهيوني، لم يتوصل العرب إلى مقاربة ناجحة مع إسرائيل، ما يستلزم بديهيا اتخاذ قرارات مختلفة قد تحدث تحولا إيجابيا، وقد تؤول إلا الأسوأ، لأنه لا يوجد وضع يبقى كما هو عليه.