حالات العنف والجرائم الأسرية التى طفت على السطح مؤخرا بين الأزواجوالزوجات تارة، والأبناء والآباء تارة أخرى، بما تحمله من تفاصيل وأسبابللعنف والجريمة، تشير إلى خلل كبير اعترى العلاقات الإنسانية داخل بعضفئات المجتمع، وهذا ما تفضحه أبسط الخلافات، وكأن تلك الأسر تعيش فوقبركان ينتظر لحظة الانفجار، مما يدعونا للتساؤل: هل إلى هذا الحد تآكلتالمسافات وتلاشت الحدود الآمنة بين الناس؟ ولماذا حل العنف والقسوة محلالود والتسامح والحوار؟ وكيف نقضى على مثل هذه السلوكيات الشاذة فى الأسر.
إن الجرائم الأسرية موجودة فى كل دول العالم، وهى فى مصر مجرد حالاتفردية ولا تمثل ظاهرة، لكن التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل وانتشارالفضائيات وبرامج التوك شو، استغلت شغف القارئ والمشاهد لمتابعة الجريمةومعرفة التفاصيل، فى تسليط الضوء على هذه الحالات الفردية وتزامن عرضهاعبر الشاشات والصحف والمواقع، بما يخيلها لدى البعض بأنها ظاهرة. وكانالأجدر بوسائل الإعلام التركيز على القضايا الكبرى والمشروعات التىتعتمدها الدولة لبناء الشخصية الوطنية وبناء فكر الإنسان.
وتعود الجرائم الأسرية إلى أسباب عدة أهمها: تراجع القيم والأخلاق وتعاطىالمخدرات والإدمان، والخلاف على الميراث، فضلا عن غياب دور الأسرة فىالتربية السليمة وتأثر الأبناء بأفلام العنف والخوارق والجرائمالتمثيلية، ناهيك عن الدور السلبى الذى تلعبه التكنولوجيا فى زعزعة الثقة
بين الأزواج، وكلها أسباب تدفع للعنف وتعدى الزوج على الزوجة والعكس،وربما يصل الأمر لقتل الأبناء تحت تأثير الإدمان، والرغبة فى التشفىوالانتقام نتيجة الخيانة الزوجية.
وهنا لا نستطيع أن نغفل دور الضغوط الاقتصادية التى أخذت بعض الأزواج منبيوتهم وزوجاتهم وجعلتهم مجرد آلة لكسب لقمة العيش، مما زاد الفجوة بينالزوجين، ولم يعد الرجل يحتمل الحديث المجرد مع زوجته وأولاده، كما أنبعض الأزواج لا يحسنون تقدير ظروفهم والتوفيق بين دخولهم ونفقاتهم،فيحملون أنفسهم فوق طاقاتهم، وبرغم شكواهم المستمرة من ضيق ذات اليد، لايعبأون بكثرة الإنجاب والارتباط بأعباء اقتصادية لا تناسب دخولهمالمتواضعة، مما يثقل كاهل رب الأسرة فيضيق ذرعا بأبنائه، ويدور حاله فىبعض الأحيان ما بين ممارسة العنف عليهم ودفعهم للتسريب من التعليمليساعدوه على المعيشة، وكثرة المشاجرات بينه وبين زوجة وقد تنتهى العلاقةبالطلاق أو يتطور الأمر إلى العنف والجريمة فى بعض الأوقات. هذا ناهيك عنغياب ثقافة الاختلاف بين الزوجين وعدم مراعاة حدود الأدب والنقاش الهادئالبناء، واللجوء إلى الصوت العالى واتهام الآخر بالتقصير دائما.
وهنا يجدر بالأسر أن تعلم الحكمة التى من أجلها أباح الإسلام الطلاق، بلقد يكون أحيانا واجبا، إذا استحالت العشرة وكان فى استمرارها خطر وضرر أكبر، ولعلنا ندرك ذلك إذا تأملنا قوله تعالى «وَإِنْ يَتَفَرَّقَايُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ»، لذلك فمن العبث أن نطالب زوجيناستحالت بينهما العشرة واتسعت الفجوة بينهما بأن يواصلا حياتهما الزوجيةفى نكد وكدر، بدعوى الحفاظ على الأبناء وعدم خراب البيت، كما هو الحال فىبعض الأسر الريفية، فالطلاق فى هذه الحالة أفضل من حياة ملؤها العنفوالغضب والخيانة، وأن نستيقظ صباح يوم على خبر قتل أحدهما الآخر!!.
العلاج النفسى والعاطفي
ولما كانت الجرائم الزوجية، وكذا الانتحار، تعود فى بعض أسبابها إلىالمرض النفسى وتعاطى المخدرات، أو نتيجة البرود العاطفى وجفاف العلاقةالخاصة بين الزوجين، فلا ينبغى التقليل من شأن هذه الأمور أو النظر إليهاباستخفاف بدعوى رفض المجتمع المريض النفسى واستنكاره الحديث فى العلاقاتالخاصة بين الرجل والمرأة..فهذا عبث، لأن المواجهة والبحث عن حلولللمشكلات أفضل من التجاهل ودس الرءوس فى الرمال، وانتظار بركان يحرقالأخضر واليابس، لاسيما ونحن فى عصر الحداثة والتقدم فى جميع التخصصاتالعلمية والطبية. كما أننا مأمورون شرعا بالتداوى من أى داء ما دام لهعلاج. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يَا عِبَادَ اللَّهِتَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ
شِفَاءً) .
ضرورة ووضع خطط للمواجهة، وعودة منظومة الأخلاق والقيم الواردة فى السنةالنبوية الشريفة، وتقوية الروابط الأسرية، وغرس المودة بين الأشقاء، وأنيكون هناك حوار مستمر داخل الأسرة. وأن يحل التواصل بين الأرحام والجيرانوالأنساب محل التقاطع والتدابر الذى تفشى اليوم، فكل ذلك يعين على مناقشةأى مشكلة والبحث لها عن حلول ودية وبدائل سلمية بعيدا عن العنف ومعتركالجريمة.
والجرائم الأسرية لا تقتصر على القتل وإزهاق الروح فحسب، بل هناك نوع آخرمن الجرائم أشد قسوة وبشاعة، وهو القتل المعنوي، وإن ظل المجنى عليه علىقيد الحياة..من هذه النماذج عقوق الوالدين وتفضيل الزوجة عليهما، والتنكرلهما وإيداعهما دور الرعاية. ومنها أيضا: الهجر والخيانة الزوجية، فالذىيقتل زوجته يجنى عليها مرة، والذى يخونها أو يهجرها ويتركها كالمعلقةويحرمها حقوقها الشرعية يجنى عليها كل يوم ألف مرة. وليس أقل من ذلك جرماذلك الأب الذى يترك أولاده يعانون الجوع والتشرد والضياع ويعيش حياةعابثة لاهية.. أو تلكم المطلقة التى تقطع أرحام أبنائها من أسرةأبيهم..وقد يموت الجد أو الجدة دون أن يطالع ملامح حفيده الذى صار شابا يافعا.
يجب التركيز على ثقافة التسامح والحوار، وبيان الحقوق والواجبات فيمابين الزوجين ومن الآباء للأبناء والعكس، فللأسف أن كلا منا يحرص علىمعرفة حقوقه ولا يعبأ بواجباته، وهذا يؤدى إلى تصادم وخلاف أحيانا، ولوأن كلا منا عرف ما له وما عليه، لما نشب ما نراه بينهما من خلاف اليوم..هذا مع التركيز على النماذج المشرفة فى الإسلام التى تجسد البر والإحسانفيما بين الزوجين وما بين الآباء والأبناء، بدلا من العنف والجحودوالنكران الذى تصدره إلينا بعض وسائل الإعلام.