الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عمران يكتب: الجرائم الأسرية خطر يهدد المجتمع

صدى البلد

حالات العنف والجرائم الأسرية التى طفت على السطح مؤخرا بين الأزواج والزوجات تارة، والأبناء والآباء تارة أخرى، بما تحمله من تفاصيل وأسباب للعنف والجريمة، تشير إلى خلل كبير اعترى العلاقات الإنسانية داخل بعض فئات المجتمع، وهذا ما تفضحه أبسط الخلافات، وكأن تلك الأسر تعيش فوق بركان ينتظر لحظة الانفجار، مما يدعونا للتساؤل: هل إلى هذا الحد تآكلت المسافات وتلاشت الحدود الآمنة بين الناس؟ ولماذا حل العنف والقسوة محل الود والتسامح والحوار؟ وكيف نقضى على مثل هذه السلوكيات الشاذة فى الأسر.

إن الجرائم الأسرية موجودة فى كل دول العالم، وهى فى مصر مجرد حالات فردية ولا تمثل ظاهرة، لكن التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل وانتشار الفضائيات وبرامج التوك شو، استغلت شغف القارئ والمشاهد لمتابعة الجريمة ومعرفة التفاصيل، فى تسليط الضوء على هذه الحالات الفردية وتزامن عرضها عبر الشاشات والصحف والمواقع، بما يخيلها لدى البعض بأنها ظاهرة. وكان الأجدر بوسائل الإعلام التركيز على القضايا الكبرى والمشروعات التى تعتمدها الدولة لبناء الشخصية الوطنية وبناء فكر الإنسان.

وتعود الجرائم الأسرية إلى أسباب عدة أهمها: تراجع القيم والأخلاق وتعاطى المخدرات والإدمان، والخلاف على الميراث، فضلا عن غياب دور الأسرة فى التربية السليمة وتأثر الأبناء بأفلام العنف والخوارق والجرائم التمثيلية، ناهيك عن الدور السلبى الذى تلعبه التكنولوجيا فى زعزعة الثقة
بين الأزواج، وكلها أسباب تدفع للعنف وتعدى الزوج على الزوجة والعكس، وربما يصل الأمر لقتل الأبناء تحت تأثير الإدمان، والرغبة فى التشفى والانتقام نتيجة الخيانة الزوجية.

وهنا لا نستطيع أن نغفل دور الضغوط الاقتصادية التى أخذت بعض الأزواج من بيوتهم وزوجاتهم وجعلتهم مجرد آلة لكسب لقمة العيش، مما زاد الفجوة بين الزوجين، ولم يعد الرجل يحتمل الحديث المجرد مع زوجته وأولاده، كما أن بعض الأزواج لا يحسنون تقدير ظروفهم والتوفيق بين دخولهم ونفقاتهم، فيحملون أنفسهم فوق طاقاتهم، وبرغم شكواهم المستمرة من ضيق ذات اليد، لا يعبأون بكثرة الإنجاب والارتباط بأعباء اقتصادية لا تناسب دخولهم المتواضعة، مما يثقل كاهل رب الأسرة فيضيق ذرعا بأبنائه، ويدور حاله فى بعض الأحيان ما بين ممارسة العنف عليهم ودفعهم للتسريب من التعليم ليساعدوه على المعيشة، وكثرة المشاجرات بينه وبين زوجة وقد تنتهى العلاقة بالطلاق أو يتطور الأمر إلى العنف والجريمة فى بعض الأوقات. هذا ناهيك عن غياب ثقافة الاختلاف بين الزوجين وعدم مراعاة حدود الأدب والنقاش الهادئ البناء، واللجوء إلى الصوت العالى واتهام الآخر بالتقصير دائما.

وهنا يجدر بالأسر أن تعلم الحكمة التى من أجلها أباح الإسلام الطلاق، بل قد يكون أحيانا واجبا، إذا استحالت العشرة وكان فى استمرارها خطر وضرر أكبر، ولعلنا ندرك ذلك إذا تأملنا قوله تعالى «وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ»، لذلك فمن العبث أن نطالب زوجين استحالت بينهما العشرة واتسعت الفجوة بينهما بأن يواصلا حياتهما الزوجية فى نكد وكدر، بدعوى الحفاظ على الأبناء وعدم خراب البيت، كما هو الحال فى بعض الأسر الريفية، فالطلاق فى هذه الحالة أفضل من حياة ملؤها العنف والغضب والخيانة، وأن نستيقظ صباح يوم على خبر قتل أحدهما الآخر!!.

العلاج النفسى والعاطفي

ولما كانت الجرائم الزوجية، وكذا الانتحار، تعود فى بعض أسبابها إلى المرض النفسى وتعاطى المخدرات، أو نتيجة البرود العاطفى وجفاف العلاقة الخاصة بين الزوجين، فلا ينبغى التقليل من شأن هذه الأمور أو النظر إليها باستخفاف بدعوى رفض المجتمع المريض النفسى واستنكاره الحديث فى العلاقات الخاصة بين الرجل والمرأة..فهذا عبث، لأن المواجهة والبحث عن حلول للمشكلات أفضل من التجاهل ودس الرءوس فى الرمال، وانتظار بركان يحرق الأخضر واليابس، لاسيما ونحن فى عصر الحداثة والتقدم فى جميع التخصصات العلمية والطبية. كما أننا مأمورون شرعا بالتداوى من أى داء ما دام له علاج. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ
شِفَاءً) .

ضرورة ووضع خطط للمواجهة، وعودة منظومة الأخلاق والقيم الواردة فى السنة النبوية الشريفة، وتقوية الروابط الأسرية، وغرس المودة بين الأشقاء، وأن يكون هناك حوار مستمر داخل الأسرة. وأن يحل التواصل بين الأرحام والجيران والأنساب محل التقاطع والتدابر الذى تفشى اليوم، فكل ذلك يعين على مناقشة أى مشكلة والبحث لها عن حلول ودية وبدائل سلمية بعيدا عن العنف ومعترك الجريمة.

والجرائم الأسرية لا تقتصر على القتل وإزهاق الروح فحسب، بل هناك نوع آخر من الجرائم أشد قسوة وبشاعة، وهو القتل المعنوي، وإن ظل المجنى عليه على قيد الحياة..من هذه النماذج عقوق الوالدين وتفضيل الزوجة عليهما، والتنكر لهما وإيداعهما دور الرعاية. ومنها أيضا: الهجر والخيانة الزوجية، فالذى يقتل زوجته يجنى عليها مرة، والذى يخونها أو يهجرها ويتركها كالمعلقة ويحرمها حقوقها الشرعية يجنى عليها كل يوم ألف مرة. وليس أقل من ذلك جرما ذلك الأب الذى يترك أولاده يعانون الجوع والتشرد والضياع ويعيش حياة عابثة لاهية.. أو تلكم المطلقة التى تقطع أرحام أبنائها من أسرة أبيهم..وقد يموت الجد أو الجدة دون أن يطالع ملامح حفيده الذى صار شابا يافعا.

يجب التركيز على ثقافة التسامح والحوار، وبيان الحقوق والواجبات فيما بين الزوجين ومن الآباء للأبناء والعكس، فللأسف أن كلا منا يحرص على معرفة حقوقه ولا يعبأ بواجباته، وهذا يؤدى إلى تصادم وخلاف أحيانا، ولو أن كلا منا عرف ما له وما عليه، لما نشب ما نراه بينهما من خلاف اليوم.. هذا مع التركيز على النماذج المشرفة فى الإسلام التى تجسد البر والإحسان فيما بين الزوجين وما بين الآباء والأبناء، بدلا من العنف والجحود والنكران الذى تصدره إلينا بعض وسائل الإعلام.