الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إنجي الحسيني تكتب: على باب رسائل الدكتور طارق منصور بين الأنا والآخر

صدى البلد

للخروج من دوامات المتعصبين من خلال التركيز على المتشابهات جاء النصف الأول من كتاب "على باب مصر- رسائل في بناء الأنا والآخر" للدكتور والمؤرخ "طارق منصور" في محاولة منه للتقريب بين قطبي الوطن حيث بدأ بشرح معنى كلمة قبطي، ساردا كيف كرم الرسول  مصر وأقباطها،  منوها إلى زواجه من مارية القبطية والتى أتخذ لها بيتا في منطقة ظليلة بالمدينة المنورة يتلائم مناخها مع مناخ مصر، وكما يقول الكاتب (مصر الحصن الحصين لأنبياء الله، فمنها تزوج الأنبياء، وبها تحصنوا وتدثروا).

ولقد كان الكاتب حريصا على ذكر أسباب حرص الرسول على تكريمه لمصر، في ظل انتشار الكثير من الفتاوى الفجة، ذاكرا العديد من الأحاديث النبوية والمواقف التي توثق سماحة رسول الأسلام في التعامل مع الآخر.

والحقيقة أن تناول الدكتور طارق منصور للعلاقة بين شركاء الوطن جاءت بردا وسلاما بعد تفشي هوجة الهجوم على الإسلام بحجة التنوير، تلك الحجة التي يمارسها بعضهم بلا ضوابط صحيحة، حيث يرى أن الاختلاف هو سنة الله في الأرض الذي يؤدى للتنوع والأعمار بعيدا عن "الخلاف" والكراهية، ويدلل في صفحة (35) على السلوك السمح للرسول الكريم حينما استقبل وفد نصارى نجران بالمسجد النبوي وسمح لهم بالصلاة بداخله بينما المسلمون يؤدون صلاتهم، مؤكدا بحديث نبوي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أذى ذميا فانا خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة" وهو ما يتعارض مع ادعاءات تكفير الآخر وحرمانية التهنئة في الأعياد وغيرها من تلك الأقاويل المستحدثة على المجتمع.

ومن هذا المنطلق الديني الصحيح يدعو كاتبنا إلى التعايش والمحبة، مستعيدا بعض ذكرياته ومعاملاته والتي تتفق مع سماحة ومحبة الأديان، فيحكى كيف عن قبوله دعوة أستاذه المسيحي في شهر رمضان وكيف كانت المنضدة عامرة بأصناف الطعام الشهي وكيف شارك صديقه المجند صحن الطعام اثناء خدمتهما العسكرية، ولما لا ؟! وطعام الذين أوتوا الكتاب حِل لنا وذلك بنص القرآن كما ورد بسورة "المائدة".

كما روى الكاتب كيف كانت فرحة شقيقته عندما رزقت بحفيدتها "ماريا"، الأمر الذي دعاه للتأمل في سر حب المسلمين للعذراء والتسمي باسم "مريم" بكل أشكاله لما ترسخ في أذهان المسلمين بأن مريم هى سيدة نساء العالمين.

لم تنته ذكريات دكتور طارق منصور عند هذا الحد، بل عاد بالذاكرة للوراء مستدعيا طفولته وكيف كانت علاقته قوية بمعلمته المسيحية والتي كانت تصطحبه لمنزلها إذا تأخر الوالد، وكم كانت علاقة أسرته قوية بأسرة جاره "حبيب أفندي إلياس"  ومن هذا المناخ الصحي ولدت مبادئ وروح الوحدة الوطنية عند الكاتب، والذي لم يدلل على أهمية التعايش باستخدام آيات قرآنية فقط بل  كان متوازيا في طريقة العرض بحيث استعار من الإنجيل ما يتوافق مع تلك الآيات كأن يقول " قم وخذ الصبي وأمه وأهرب به إلى مصر" أى "ادخلوا مصر إن شاء الله ءامنين"  بلغة القرآن.
ومن خلال مقاله " تقويمان وشعب واحد" ربط بين قطبي الأمة تاريخيا، فيقول أن "التواريخ كانت أكبر شاهد على الظلم والاضطهاد الذي واجهه المؤمنون من الطرفين فبينما صارعت المسيحية الفكر الوثني في الإمبراطورية الرومانية، صارع الإسلام مقاومة واضطهاد مشركي مكة وكفارها، وكما آوى عيسى بمصر هاجر الرسول إلى المدينة كما يشترك الطرفان أحيانا في الاحتفال بالأعياد في نفس التوقيت وهما على قلب رجل واحد ضد تصرفات العدو الإسرائيلي وهكذا يتقاسمان الأفراح والأحزان ويجنيان أيضا الخسائر البشرية جراء العمليات الإرهابية التي يشهدها الوطن" من حين لآخر.

ولم يتوان طارق منصور من خلاله كتبه ومقالاته فقط على نشر الكلمة التى تجمع بل حرص على تفعيل دوره المجتمعي من خلال الندوات والمؤتمرات التي يشترك فيها كضيف أو مؤسس إلى جانب دوره الأكاديمي من خلال الجامعة والتى يحرص على أن تسير في خطوات ثابتة لتطوير نفسها، وتحصين الشباب من التطرف، ومنها تطوير المناهج الدراسية وتتضح رسالته أكثر من خلال  خلال كلمته بمؤتمر "معا ضد الإرهاب" عندما أشار إلى أهمية توقيع العديد من بروتوكولات التعاون بين جميع مؤسسات الدولة وعلى رأسها بيت العائلة المصرية.

إن اهتمام الكاتب بقضية الوحدة الوطنية وبإظهار حقيقة الإسلام السمحة ومواقف الرسول الإنسانية ومعاملاته مع الآخر هي رسالة هامة للرد على كل من تسول له نفسه بالإساءة للرسول تحت مسمى "حرية التعبير"، واختزال الدين الإسلامي في خوارج  هذا الزمان " ممن يستحلون دماء الغير".

وبعيدا عن هؤلاء ممن يرسخون الصورة السلبية للمسلم في عين الغرب ، كان الكاتب موفقا عندما أشار بدقة إلى أهمية المعاملات الإنسانية لتوحيد كلمة الوطن عن طريق زيادة الترابط الإنساني بين قطبي الأمة من خلال التعايش السلمى بعيدا عن المهاترات والتى تكدر صفو العلاقة بين الطرفين وهو ما لا يصب في صالح بلدنا بأي شكل من الأشكال.