الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لجان قطع الأرزاق


منذ عدة شهور تلقيت دعوة للقاء مع بعض مسئولى البنك الدولى فى مكتبهم الإقليمى بالقاهرة، وفوجئت خلال اللقاء بأحد المسئولين بالبنك الدولى يقول لنا إن البنك اشترط تيسير التراخيص الصناعية لضمان حصول مصر على دفعة من قرض تقدمت به للبنك.

كان الحديث صادمًا بالنسبة لى، ومبعث الصدمة أن يشترط البنك الدولى قيام حكومة مصر بتيسير حياة رجال الصناعة فى مصر، وتمنيت وقتها أن يتم محاسبة كل مسئول حالٍ أو سابق فى وزارة الصناعة أوصلنا إلى هذا الوضع، لكن للأسف لا أحد يحاسب أحد على تعطيل مصالح الناس، لذا يعانى من يعانى، وتتحمل مصر كلها التبعات.


تذكرت ذلك وأنا أتابع إغلاق المحال التجارية كلها أبوابها فى إحدى المدن الكبرى نتيجة علمهم بوجود إحدى لجان التفتيش المجمعة فيها، وهى لجان يسميها بعض الناس لجان قطع الأرزاق أو لجان خراب البيوت، وهى مسميات يطلقها صغار التجار على هذه النوعية من اللجان التى تضم فى عضويتها موظفين من عدد من الوزارات والهيئات بحيث إذا ما دخلت محلا تجاريا لا تخرج إلا وقد حررت مخالفة أو عملت محضرًا، فلا أحد ينجو من قبضتهم، فمن نجا من مخالفات إجراءات وزارة ما سقط فى مخالفات قرارات غيرها.


فلك أن تتخيل أن طبيبا محترما يتم القبض عليه بتهمة حيازة أدوية تخدير فى غرفة عمليات المرضى، والتهمة حيازة أدوية مدرجة ضمن جدول المخدرات، فهل يتم تخدير المرضى بالطرق على رأسهم بالمطرقة حتى يفقدوا الوعى ثم يقوم الطبيب بعدها بإجراء العملية الجراحية للمرضى؟ وتم التقاط الصور ونشر الخبر فى عدد من الصحف للأسف، وتحول الطبيب المحترم إلى تاجر مخدرات فى نظر القانون، لذا فى الحملة التالية أغلقت جميع العيادات الطبية أبوابها خشية من موقف مماثل.


ذكرت لكم أحد أكثر المواقف المحزنة التى قرأت خبرها وربما هناك ما هو أكثر ألمًا منها، وهو شيء للأسف ليس قاصرًا على صغار الموظفين بل تعداه إلى كبار المسئولين، فنظرة واحدة على إنجازات بعض السادة المحافظين خلال مرافقتهم لبعض اللجان والحملات التفتيشية تخبرك عن كم المآسى التى عاشها تجار بسطاء جراء ذلك، فالمحاضر والقضايا يتم عدها بالمئات فى ظل إصرار على تطبيق قوانين وقرارت وزارية مضى على بعضها أكثر من نصف قرن من الزمان، ولم تعد تتناسب نهائيًا مع العصر الذى  نعيش فيه، خاصة فيما يتعلق بالتراخيص، وباتت بحاجة إلى إلغاء أو تعديل.


فعلى سبيل المثال لا الحصر، رخصة أصغر نشاط تجارى تتطلب موافقة أكثر من سبعة عشر وزارة وهيئة حكومية، لذا ستجد الغالبية العظمى من محلات مصر الحديثة بلا تراخيص نتيجة شبه استحالة الحصول على رخصة، وليس نتيجة عدم رغبة الشباب فى العمل التجارى دون ترخيص، وهو للأسف مبعث بهجة للعديد من موظفى لجان التفتيش، حيث يضمنون محضر أو قضية لأى محل تجارى بمجرد أن يوقعه حظه العاثر فى طريقهم، والتهمة الأولى الجاهزة هى العمل دون ترخيص.


لذا أتمنى تدخلا عاجلا من أجهزة الأمن القومى المعنية، لنقل صورة واضحة للسيد الرئيس عن الوضع الحقيقى للقطاع التجارى فى مصر والمشكلات التى تواجه صغار التجار، فهى من وجهة نظرى قضية أمن قومى يمكن أن تشكل تهديدًا داخليًا خطيرًا لأمن واستقرار المجتمع، لأن لدينا مئات الآلاف من المحال التجارية فى مصر التى يعمل فيها ملايين المصريين، وخلق حالة من السخط العام بينهم سيؤدى إلى انعكاسات سلبية خطيرة على حالة الرأى العام ككل، فكل واحد منهم سيكون بمثابة قناة حرة لنشر السخط بين الناس، مما يهدد حالة السلم والاستقرار الاجتماعى.


من حق الدولة تنظيم العمل التجارى والمحافظة على حقوق المجتمع ككل، ومن حق التاجر الصغير أن يعمل دون خوف من موظف يتلقى مكافآت وحوافز على الضرر الذى سيلحقه به جراء أى مخالفة لقوانين وقرارات عتيقة عفى عليها الزمن، سواء كان الأمر يستحق ذلك أو لا يستحق، والحلول بسيطة وممكنة وقد سبق أن شاركت بنفسى فى تقديم مقترحات عملية لتحقيق ذلك منذ سنوات مضت عندما كنت ضمن المسئولين عن تحديث منظومة التجارة الداخلية فى عدة محافظات، وأستطيع أن أقول إنه يمكننا أن نيسر ممارسة النشاط التجارى وأن نحافظ على حقوق الدولة والمجتمع بسهولة ويسر إذا ما توافرت الإرادة الحقيقية لذلك.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط