الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد أبو علي يكتب: الاحترافية في إدارة السياسة النقدية.. وتحفيز الاستثمار

صدى البلد

على مدار العشر سنوات الماضية حدثت العديد من التحولات الاقتصادية والسياسية والتي بلا شك أثرت على كافة الدول اقتصاديا، بل لن نكون مبالغين إذا قلنا بأن العالم أجمع كان يواجه تحديات اقتصادية كبرى قد تفوق في كثير من الأوقات قدرة العديد من الدول على مواجهتها، وهو ما استلزم على كافة البنوك المركزية في كافة دول العالم بأن تعدل وتعيد من آليات إدارتها للسياسة النقدية، وهو ما كان واضحا وبقوة في الحالة المصرية، فعلى مدار ال6 سنوات الماضية منذ منتصف 2013 مرت الدولة المصرية بتحديات مختلفة ومتنوعة على كافة الأصعدة والتي انعكست وبلا شك على الوضع الاقتصادي للدولة المصرية حتي وصل الأمر إلى الاتجاه نحو الانهيار الاقتصادي، وبدأ نزيف الاقتصاد المصري من تدهور لكافة قطاعته ومؤشراته، إلى أن اتخذت الدولة المصرية أجرأ قرارا اقتصاديا في تاريخه نحو البدء في تنفيذ تجربة إصلاح اقتصادي يستعيد معها الاقتصاد المصري عافيته وتنافسيته في مجتمع الأعمال الدولي والمحلي، ومنذ تلك اللحظة من نوفمبر لعام 2016 وبدأ مسيرة جديدة نحو ترسيخ مفاهيم وأنماط جديدة لتدعيم عملية التنمية الاقتصادية المستدامة، وألقيت المسئولية على عاتق البنك المركزي المصري نحو إعادة رسم ملامح وثوابت جديدة لإعادة إصلاح الاقتصاد المصري مستخدما في سبيل ذلك كافة الآليات والسبل التي تدعمه نحو تحقيق النجاح في سبيل ذلك الهدف، ولعل من أهم الأدوات والآليات التي اعتمد عليها البنك المركزي في ذلك كانت إدارته للسياسة النقدية بشكل احترافي غير تقليدي وبعيد عن النمطية، أسلوب جديد ومختلف في الإدارة قادر على مجابهة أي تحديات اقتصادية والتأثير فيها بما ينعكس بالإيجاب على مصلحة الاقتصاد المصري، فتم التوجه نحو رسم شكل جديد لإدارة السياسة النقدية لمصر يمزج ما بين التنافسية والقدرة على التأثير نحو تحقيق أهداف الاقتصاد المصري وتدعيم كافة مؤشراته الاقتصادية .

 

ومع بداية الإصلاح الاقتصادي في مصر، قدم البنك المركزي المصري تجربة فريدة في مدي الوعي الدائم والمستمر بحجم وشكل التحديات الاقتصادية المعتاد عليها بل والطارئة كجائحة كورنا مؤخرا على سبيل المثال، وكانت من أهم أدوات السياسة النقدية التي اعتمد عليها البنك المركزي المصري هو التحكم وضبط سعر الفائدة بما يعكس ويحقق توجهات السياسة النقدية المركزي المصري ويساهم في تحقيق المستهدف من معدلات ومؤشرات الاقتصاد والتأثير عليها وفقا لما تقتضيه المرحلة في كل توقيت.

 

فقد تم تخفيض سعر الفائدة في مصر بأكثر من 10% في 3 سنوات وهو معدل كبير،  بل وله دلالة قوية على ما تم إحداثه من  تحولات جذرية في السياسة النقدية المركزي المصري، إلا أن التحدي الأكبر في تلك النقطة تحديا، فهو أنه لا يوجد اقتصاد على الإطلاق بالعالم يستطيع تخفيض الفائدة بهذا المعدل الكبير دون التحكم والسيطرة على معدل التضخم، وإلا قد يتسبب ذلك في إحداث كارثة اقتصادية قد يعجز عن مواجهتها، وفي وضع الاقتصاد المصري كان التضخم بالفعل تحت السيطرة، فمثلا متوسط معدل التضخم العام في 2017 بلغ  35%، ومتوسط معدل التضخم العام في عام 2018 بلغ 15%، وبلغ متوسط معدل التضخم العام في 2019 حوالي 10%، وبلغ متوسط معدل التضخم العام في 2020 حوالي  4.5%.

 

 وفي سياق ذلك أيضا لم يكن معدل التضخم فقط هو وحده من ضمن أهداف البنك المركزي لتحقيق سيطرة تامة عليه ومحاولة تخفيضه فقط، بل أن هناك أهدافا أخري مثلت أيضا تحديات أمام البنك المركزي المصري في إدارته للسياسة النقدية من خلال الاعتماد على معدل التضخم كأحد أهم أدوات السياسة النقدية المركزية التي أثبتت فاعليتها على مدار الفترة الماضية وخاصة في إنجاح الإصلاح الاقتصادي، بل كانت هناك أهداف أخري وهي التي أظهرت حجم ومقدار الاحترافية التي يتمتع بها البنك المركزي المصري في إدارته للاقتصاد، وهي محاولة تنويع أوجه الاستفادة من إدارته السياسة النقدية معتمدا على سعر الفائدة، فكان هناك طموح آخر اكبر وهو محاولة تطويع السياسة النقدية بأن تستخدم في تحقيق معدلات أكبر للتنمية وليس فقط معالجة الاختلالات الاقتصادية، فكان النظر نحو دعم بيئة الأعمال المصرية من خلال تطويع سعر الفائدة داخل القطاع المصرفي المصري بما ينعكس في جذب وتحفيز أكبر قدر ممكن من الاستمارات الأجنبية الداخلة للسوق المصري بل وتعزيز ودعم الاستثمار المحلي أيضا من خلال تخفيض معدلات الفائدة، وهو ما يعد حافزا قويا للاستثمار نحو التواجد وبقوة داخل السوق المصري مستفيدا من انخفاض سعر الفائدة وهو ما يمثل انخفاضا لتكلفة الاقتراض وبالتالي يمثل انخفاضا لتكلفة الاستثمار في مصر، مع اهتمام البنك المركزي المصري أيضا بأن لا ينعكس التخفيض في سعر الفائدة على مستوي التضخم، وهو ما يعد تحد آخر أكثر صعوبة يستوجب معه دائما قدرة المركزي المصري على ضبط السوق ومستويات الأسعار من خلال التعاون مع كافة الأجهزة الرقابية الأخرى المنوط بها تحقيق ذلك، إلا أن الأهم هو أن يستطيع البنك المركزي المصري محاولة تقديم أقل سعر فائدة ممكن بما يجعل الاقتصاد المصري دائما قادرا على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وبما يعزز من تنافسية الاقتصاد المصري تحديدا في هذا الأمر في ظل وجود حالة من التنافسية الشرسة حولنا في مجتمع الأعمال الإقليمي والعالمي، وبما يدعم رغبة الدولة المصرية في التحول نحو أن تصبح مركزا إقليميا للاستثمار، وفي خضم ذلك يظهر تحد آخر أمام البنك المركزي المصري وهو أن تقديم معدلات فائدة منخفضة نسبيا قد يقلل من فرصه في اكتناز أكبر قدر ممكن من مدخرات المواطنين على اعتبار أن الودائع المصرفية بكافة أشكالها تمثل محفظة استثمارية مرغوبة لدي قطاع كبير من المواطنين، إلا أن تلك النقطة تحديدا قد يتم تصحيحها في أن كافة المحافظ الاستثمارية الأخرى داخل الاقتصاد المصري أصبحت تتمتع بقدر عال  من الربحية على الاستثمار فيها، وهو ما يرجع الفضل فيه للإصلاح الاقتصادي الذي نفذته مصر، وكان له انعكاسات إيجابية قوية على كافة قطاعات الاقتصاد المصري، وهو يرجع الفضل في ذلك لاحترافية البنك المركزي المصري في إدارة وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي لمصر، ونجاحه أيضا في أن أصبح العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وهو ما اتضح جليا خلال الفترة الماضية فيما قدمه المركزي المصري من تقويم وإصلاح لأي اختلالات حدثت في جسد الاقتصاد المصري.

 

وأخيرا لاشك أن الاستثمار بكافة أشكاله وتنوعه قادر على إحداث نقلة نوعية تحقق إنعاشا للاقتصاد المصري، وما يتولد عنه أيضا من منافع اقتصادية من توفير المزيد من فرص العمل وزيادة في حجم النقد الأجنبي الداخل للسوق المصري ودعم الإنتاج المحلي، وهو ما يستحق بشكل دائم بأن يكون لدينا رؤية حاضرة بشكل دائم نحو تعزيز تنافسية الاقتصاد المصري بما ينعكس في قدرته على اقتناص أكبر قدر ممكن من الاستثمارات الأجنبية، وتقديم أسعار فائدة تنافسية حقيقية تساهم في تحقيق ذلك الهدف، ومع استمرارية مراعاة السيطرة على المعدلات الاقتصادية الأخرى كالتضخم، ولا شك فما قدمه البنك المركزي المصري على مدار ال6 سنوات الماضية عبر جيدا عن حجم التحديات التي خاضها صانعو السياسية النقدية لإصلاح مسيرة الاقتصاد الوطني، ولكن تبقي احترافيهم في تقديم أنماط جديدة ومبتكرة وفي توقيتات مهمة في إدارتهم للسياسة النقدية هي معيارا حاكما وداعما لنجاحهم، واستمرارية حصد المزيد من النجاحات الاقتصادية، إلا أن الأهم في النهاية هو ضرورة التحلي الدائم برؤية استباقية تدعم من تنافسية السياسة النقدية المصرية وتنعكس بالإيجاب على الاقتصاد المصري وعلي وجه التحديد على نسب وشكل وحجم الاستثمار الأجنبي الداخل للاقتصاد المصري.