الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: المرأة والأنانية

صدى البلد

منذ فجر التاريخ وللمرأة مكانة خاصة لا يضاهيها أحد فيها، حيث هي السيدة الأولى ضمن المجتمع الذي تنتمي إليه وهي التي تعتني بالتربية والتعليم لأطفالها والآخرين وكذلك كانت المعالجة لكثير من الأمراض من خلال الأعشاب والنباتات وهي المسؤولة عن لم شمل العائلة، وهي المسؤولة الأولى عن الزراعة وحصاد المحصول وتوزيعه، وهي التي خلقت القوانين التي لا يمكن لأي عضو ضمن الجماعة أن يحيد عنها، والتي تمثل بنفس الوقت أخلاق المجتمع العامة، وإليها كان ينسب الأطفال. لكل ذلك وغيره كانت المرأة توصف بأنها آلهة زمانها، وعليه كان الجميع يكن لها المحبة والاحترام المجتمعي والذي نتناقله حتى وقتنا الحاضر.


هكذا كانت المرأة تحافظ على مكانتها التي لم تحصل عليها بالوراثة، بل بالجهد والعمل والتضحية والمحبة وفوق كل ذلك بالتواضع والقناعة. ولآلاف السنين كان المجتمع يتمحور حول المرأة والأم التي تتحمل عبء المرحلة التي كانت تعيشها والتي صبغتها بفكرها ومعرفتها ولونها الخاص بها. مع تنمر الرجل على هذه الحالة ومحاولته الانقلاب على المرأة وسرقة ما لديها من معرفة وعلوم، وحتى تهميشها والتحجيم من دورها ومسؤولياتها، تحولت بعد صراع مرير إلى امرأة لا حول لها ولا قوة منساقة خلف الرجل الذي هو قوّام عليها وأذكى منها وأعقل منها، وحقن هذه المقولات ببعض الاحاديث الدينية حتى باتت عرفا يعتمد عليه في إهانة المرأة أكثر وأكثر، حتى باتت هي مقتنعة به وراحت تجلد نفسها بيدها كي تكون عند حسن ظن الرجل.


من المرأة المجتمعية والتي تخدم الكل حتى وصلنا في القرن الحادي والعشرين إلى المرأة الأنانية التي لا تفكر إلا بنفسها فقط على حساب عائلتها ومجتمعها الذي انفصلت عنه روحًا وفكرًا، وكانت النتيجة أن أصبحت جسدا بلا روح كل همها أن تكون أنثى لذكر راضٍ عنها. ثمة فرق كبير هذا التحول من الشخصية العامة المجتمعية إلى الشخصية الانانية الفردانية. في الأول يكون سببًا في بناء وتطور المجتمع وفي الثاني يكون سببًا في تشتت المجتمع وانحطاطه وخنوعه وتنميطه.


التفكير الأناني الذي وصلت إليه المرأة نتيجة صراع طويل ممتد من آلاف السنين له جوانب عدة وأساليب مختلفة استخدمها الرجل كي تكون السلطة بيده هو فقط، على حساب المرأة وهويتها وماهيتها بنفس الوقت. صراع استخدم الرجل فيه الدين كي يبرهن أن الرجال قوّامون على النساء وأن طاعة الرجل للمرأة فرض عليها ولا خيار ثانٍ أمامها، وإلا كانت النار جهنم في انتظارها في الدنيا والآخرة. 


لم يبق عند المرأة أي شيء تقدمه لإرضاء الرجل سوى أن تكون مطيعة وخائرة القوة وذليلة وأسيرة له، لأنه يمتلك مفاتيح دخولها الجنة من عدمه وكذلك المال. وهنا كان مربط الفرس كما يقال، المال. الذي بات يعني كل شيء من فرح وسعادة ووجود، وهو عِلّة الوجود الإنساني ومبتغاه. كما فسره ماركس أن الاقتصاد هو سبب الحياة والحروب عبر التاريخ وكذلك سبب ظهور الطبقات. ولربما كان هذا التقييم له مكانة من الحقيقة، إلا أنه بكل تأكيد لا يمثلها بشكل مطلق. إلا أنه تحول إلى سبب رئيس لوجود الحياة والعيش برفاهية وترف وأن ذلك لن يتحقق إلا بالمال. 


هنا يتحول المال إلى إله يسجد له الكثير من الناس من أجل الحصول عليه وهو سبب السعادة والفرح بنفس الوقت. لذلك من يمتلك المال يصبح هو الإله بنظر الجميع وإليه يهرع عديمو الشخصية والأنانيون ليحصلوا ولو على القليل منه.


المرأة الأنانية التي لا يهمها إلا جمع المال ولو كان ذلك على حساب وجودها وشخصيتها فإنه لا يهمها البتة، بل المهم هو المال فقط وفقط، هنا تتحول المرأة إلى عبدة بكل معنى الكلمة للمال الذي كان يومًا ما وسيلة للحياة وليس غاية. لكن الأنانية التي تعمي البصيرة تجعل من الغاية وسيلة وتنقلب أسس الحياة رأسًا على عقب. ليكن عندي المال وألبس ما أريده وآكل ما أشتهيه وأذهب لحيث ما أريد، حينما يكون تفكير المرأة يتمحور حول هذه الأمور حينها يمكننا القول أنه على المجتمع السلام. 


طبعًا هنا لا يمكننا السؤال عن التربية التي يتلقاها الأطفال، لأنهم لن يكونوا محور تفكير الأم التي جل تفكيرها منصب على جمع المال والثروة وماذا تأكل وتشرب وتلبس ومن أي مول تتسوق، والأطفال يمكن اسكاتهم بهاتف أو الجلوس لساعات أمام التلفزيون او أن يلعبوا في الشارع، أما عن التربية التي ينبغي أن يتلقوها من الأم، فلتذهب التربية مع الأطفال إلى الجحيم، في ثقافة حينما يكون المال هو الإله.


على ما أعتقد أن ما نعيشه هو هذه المأساة التي تكبلنا بمئات الأغلال الثقافية المستوردة التي جعلتنا مغتربين حتى عن ذاتنا. العودة إلى الذات ورفض هذه الثقافة يمكن اعتبارها من أولى المهام التي يجب القيام بها على الأقل في وقتنا الرهن للحفاظ على ما تبقى من تاريخ نفتخر به قبل ضياع كل شيء من أيدينا.