الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد عبد الجواد يكتب: الحكاء والطريق في فلسفة التصوف

أحمد عبد الجواد
أحمد عبد الجواد

سيدى القارئ أعتقد أنك لن تتوقع أن أحكى لك التاريخ السرى للشخصيات الصوفية حتى أثير اهتمامك.. ولن تتوقع أن أجلب آلاف المراجع لأثبت لك أن الصوفية قديمة قدم الإسلام.. "إنسى" فهى أقدم من ذلك بكثير.

دعونا نتفق على مجموعة قواعد مهمة ثم نشرع في الحكي بطريقتنا وهي طريقة "الشوف" دعونا معًا نحاول أن نرى التاريخ كلوحة كبيرة تم رسمها بعناية. فما أقصده بالشوف هنا أننا سنحاول أن نرى الأحداث التاريخية والشخصيات التي أثرت في مسيرة التصوف ونربطها ببعض. كما أن التاريخ يكتبه المنتصرون وقد يخفون بعض الحقائق.

قد نجد العديد من الاختلافات في المراجع في التواريخ لكنها على الأقل تتفق في التتابع التاريخي أو في تتابع القرون الهجرية. وهنا سنلعب لعبة القرون الهجرية سنحكي عن كل قرن هجري بمفرده لنرى ما تم فيه وبالتالي نفهم تراتبية التاريخ الصوفي. فالهدف من التاريخ ليس تعليميًا بل معرفيًا والفارق كبير. ولن أركز على الأحداث التاريخية العامة – مراعاة لملل حضرتك – بل على تاريخ الصوفية، فاللعب في منطقة التاريخ محفوف بالمخاطر.

سأقوم بعمل ثبت بكل المراجع التي عدت إليها في نهاية الحديث لمن أراد أن يتثبت أو يستزيد. ولن أقوم بعمل إشارات إلى كل جزء تاريخي ومرجعه تسهيلًا على القارئ.. وابتعادًا بالمقالات عن فكرة الجفاف البحثي.فالشوف لا علاقة له بالتاريخ بل له علاقة بالبصيرة.

تبدأ أغلب الكتب – إن لم تكن كلها – التي تتحدث عن الصوفية بتعريف التصوف من الناحيتين المعجمية والاصطلاحية وتدور التعريفات حول أفكار عديدة فالمعجمي منها يعود بأصل الكلمة إلى "لبس الصوف، النبات العشبي المعروف بالصوف ذو الزهر السنبلي، الصوفية مصدر صناعي من صوف"، وفي المعجم الوسيط يعود بالفكرة إلى لبس الصوف، وكَانَ رَجُلًا صُوفِيًّا :- : السَّالِكُ طَرِيقَ التَّصَوُّفِ وَالتَّعَبُّدِ وَالزُّهْدِ وَالتَّقَشُّفِ.

وفي الكتب المختلفة يعودون بالكلمة إلى "صوفيا" بمعنى الحكمة اليونانية، السلوك إلى الله، التقشف، الزهد، الصفاء، أهل الصَفَّة وهم فقراء مسجد النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أنه من الصف الأول فهم في الصف الأول، أو إلى رجل زاهد متعبد في الجاهلية كان يلقب ب (صوفة) واسمه الغوث بن مر بن أد، كما أشار الزمخشري في أساس البلاغة والفيروز آبادي في قاموسه المحيط إلى أن قومًا في الجاهلية سموا بهذا الاسم وكانوا يلون إجازة الناس بالحج في مكة، يعني أنهم كانوا مهتمين بمراعاة ما يريده الحجاج وتلبية احتياجاتهم، ومن تشبه بهم سمي صوفي. ومنهم نشأت طبقة المتحنفين مثل ورقة بن نوفل.

ونستطيع القول إنهم تقريبًا ظهروا في القرن الثاني الهجري لما ذكره أكثر من مؤرخ نذكر منهم ابن خلدون في مقدمته ما قاله:
"وهذا العلم "يعني التصوف" من العلوم الشرعية الحادثة في الملَّة؛ وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة، والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد في ما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق، والخلوة للعبادة، وكان ذلك عامًَّا في الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية".

أما عن ظهورهم فيقول محمد صديق الغماري في كتابه الانتصار لطريق الصوفية: إن أول من سمي بالصوفي أبو هاشم الصوفي المتوفي سنة خمسين ومئة (150 هـ).