الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد شيخو يكتب: الحل الديمقراطي للقضية الكردية

صدى البلد

تعتبر القضية الكردية من القضايا الهامة في المنطقة والعالم نظرًا لوضعها في موقع تتحقق عبرها وعبر التعدي على حقوق شعبها وإبقائهم بدون حقوق؛ هيمنة النظام العالمي، وربما لموضعها الهام والواقع في الهلال الخصيب على حواف سلسلة جبال زاغروس وطوروس من فوق خليج العرب وبشكل قوس وهلال حتى لواء إسكندرون على البحر الأبيض المتوسط ولوقوع الكرد وأرضهم التاريخية منذ 12 ألف سنة قبل الميلاد والتي تسمى كردستان بين أربع دول محورية في المنطقة بعد تقسيم أراضيهم وفق متطلبات سياسة فرق – تسد التي نفذتها بريطانيا كقوة مركزية في نظام الهيمنة العالمية بعد الحرب العالمية الأولى مع فرنسا وروسيا.


تم وضع الكرد وأرضهم بين أربع دول لعدة أسباب:
1-  لخلق وضع يعرقل قدرة الكرد في الحصول على حقوقهم حيث إن أي محاولة ومجهود لنيل حقوقهم سيقابله ليس فقط رفض من الدولة الأولى بل سيحاول منعه الدول الثلاث الأخرى، ولعل ما كانت تفعله الدول الأربع وحتى الآن يؤكد ذلك، فرغم كل اختلافات الدول الأربع إلا أنهم يتفقون في الوقوف في وجه الحقوق المشروعة التي نصت عليها القوانين والمواثيق الدولية، فهم من منطقهم السلطوي والقوموي الضيق يرون أن أي حقوق للكرد ليس في صالح سلطتهم وستضعفهم، وإنهم يرفضون أي تحولات ديمقراطية حتى لا يستفيد منهم الكرد .


2- لاستخدام القضية الكردية وسيلة وورقة تهديد وضغط من قبل القوى المركزية في النظام العالمي المهيمن على الدول الأربع والتحكم بهم وضبط بوصلة توجهاتهم. علمًا أنه غير مسموح للدول الإقليمية التعامل المفتوح مع الكرد لعدم ضياع هذه الورقة المهمة برأيهم من أيدي القوى الكبرى المهيمنة ولذلك ترى الكثير من الدول لا تجرؤ على التعامل مع الكرد خوفًا من القوى المركزية في النظام العالمي.


3- لإبقاء بؤرة للتوتر والاشتعال وقت اللزوم والحاجة.
4- لتمرير النظام العالمي مصالحه ونموذج ما يخدمه من سلطات وأنظمة الحكم في دول المنطقة عبر هذه الدول الأربع التي تشكل المنطقة الرئيسية في الإقليم أو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالتالي التحكم في النظام الإقليمي ومستقبله عندما يقتضي حتى بعض التحولات لضرورات الهيمنة والربح الأعظمي.


ونظرًا للفراغ الثقافي والفكري والسياسي وكذلك المعرفي والإدراكي لماهية التراكم التاريخي وأصالة الشعب الكردي وقدمه وعلاقاته التاريخية مع شعوب المنطقة، وأحيانًا من مصلحة السلطات الضيقة، ظن بعض دول وسلطات المنطقة وأجهزتهم ومن يدور في فلكهم أن إنهاء الشعب الكردي أو إخراجه من كينونته ممكن، بغرض اختزاله إلى امتداد أو ملحق وإلصاقه بشعوب الدول وسلطاتها المتحكمة بعد الذهاب إلى علاقة وإجراءات أحادية وممارسات هي الصهر والإبادة بأوضح صورها .


وأمام هذا الواقع كان للكرد كلمتهم ونضالهم وكفاحهم وشهداؤهم الذي كان يكفي لقيام عشرات الدول، وفي باكور كردستان (جنوب شرق تركيا) فقط كان يكفي ما بُذل من النضال والدماء والثورات لتأسيس عشرين دولة، لكن القوى المركزية في النظام لم تترك القضية الكردية تخرج من تحت عباءتهم وسيطرتهم وكانوا يتعاونون مع الدولة التركية المكلفة والرائدة والقائدة لأعداء الكرد في المنطقة بإفشال تلك الثورات.


عندما تم وضع الكرد في القرن العشرين بدون دولة كباقي الشعوب وحقوق كذلك تم وضع شعوب المنطقة في دول تابعة فكرًا وممارسةً للنظام العالمي وكانت أيضًا هذه الدول والسلطات المتعاقبة وبالًا على شعوبها أيضًا أكثر من الكرد وليس أقل منهم.


وما نشاهده من الأزمات في دول المنطقة وأحوال شعوبها وغياب الكرامة والحرية والديمقراطية كلها تؤكد أنه حتى تشكيل دول لشعوب المنطقة كان بغرض التحكم والسيطرة عليهم من قبل النظام العالمي المهيمن عبر نظم ودول وسلطات لا علاقة لها بكل ما يمت للمنطقة وشعوبها ومجتمعاتها من القيم والمصالح المشتركة.


وما يطرحه الشعب الكردي وقواها الديمقراطية الآن يؤكد أن الكرد ونتيجة وضعهم كانوا أكثر الأقوام بحثًا عن الحقيقة التي حاول البعض طمسها وإخفاءها، وبقي الكرد ولم يخالطهم السوء والمرض القادم من السلطة والهيمنة، لذلك هم الآن أكثر من يملك مفتاح الحل لمشاكل المنطقة ولعل ما قدمه القائد عبد الله أوجلان المسجون من 22 سنة بمؤامرة دولية في سجن إمرالي بحالة من العزلة والتجريد غير مسبوقة، بعد تجربة نضالية وكفاح وفهم معمق لواقع القضية الكردية والمنطقة وعلاقتهم بالعالم بشكل عام؛ يؤكد أن الاستقرار والأمن والسلام والتنمية الذي تبحث عنه شعوب المنطقة والذي يستند إلى الحرية والديمقراطية والعدالة التي تتحقق عبر المجتمع يمكننا أن نجده في منطقتنا إذا بدأنا بالحل الديمقراطي للقضية الكردية الذي طرحه القائد عبد الله أوجلان كنموذج لحل أغلب القضايا في المنطقة والعالم وهو حل يتأتى من عدم مقاربته للقضايا من منظور السلطة والدولة بل عبر انتقاد تلك النماذج حيث إن بمقدار تدخل السلطة والدولة في شؤون المجتمع فإنهما تزيدان من تعقد قضاياه وتفاقماتها.


ولا يعنى مصطلح الحل الديمقراطي الذي يطرحه القائد أوجلان بمصطلح “الدمقرطة وحقوق الإنسان” الذي طورته الليبرالية، بل إنه يعبر عن حقيقة مغايرة، فالليبرالية الساعية إلى تمييع مصطلح “الاشتراكية وحقوق الفرد” تشبثت بمصطلح “الدمقرطة وحقوق الإنسان”، فرغم أن الليبرالية غير ديمقراطية إلا أنها تتقمص الرداء الديمقراطي، ورغم أنها أيديولوجية النظام الناسف لحقوق الإنسان فإنها تتظاهر بأنها المدافع بامتياز عن حقوق الإنسان.


لكن نظرية العصرانية الديمقراطية أو الحداثة الديمقراطية تقوم بإسقاط القناع عن الليبرالية وبإفراغ تحريفاتها وتزويراتها وذلك بناء على المصطلحات والنظريات التي صاغتها فيما يخص الحل الديمقراطي وحرية الإنسان ومساواته، وتحقق الأمر نفسه فيما يتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها. فبالرغم من أن كون الليبرالية، التي هي أيديولوجية الحداثة الرأسمالية، نظامًا رأسماليًا ناطقًا باسم القضايا الوطنية التي يولدها وينتجها فإنها تقترح، بل وتفرض النماذج السلطوية والدولتية كسبل للحل؛ وبذلك فإنها تضاعف دائمًا السلطة والدولة وتقحم القضايا الوطنية في نفق مسدود، ووفقًا لتلك النماذج فإنها تزعم أن حل كل قضية وطنية وقضية مكونات تأسيسًا على الإكثار اللانهائي من سلطات الدولة، أي في الدول الرسمية، وتشكيل وإضافة الآلاف من أجهزتها المحلية الجديدة إليها، بيد أن القمع والاستغلال وبالتالي شتى أشكال القضايا الاجتماعية والوطنية، يتكاثر مع تكاثر السلطات والدول القومية.


لقد طورت نظرية الأمة الديمقراطية مقاربتها متمثلةً في الأمة الديمقراطية التي تعد نتيجة للحل الديمقراطي. والأمة الديمقراطية هي قيام الشعب ذاته بتحقيق تحوله الوطني عبر التسييس اللازم ودون الاعتماد على السلطة والدولة، ولا يقتصر الأمر على التسييس بل إنها تجهد لإثبات جدارة الشعب في التمكن من تحقيق التحول الوطني وتكوين نفسه كأمة ديمقراطية من خلال مؤسسات الإدارة الذاتية المعنية بحقل الدفاع الذاتي والميادين الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية والدبلوماسية والثقافية دون اللجوء إلى التداول أو التحول السلطوي. بينما حسب الحداثة الرأسمالية وليبرالييها فهناك شكل واحد معقول وممكن للحلول والدولة وهو شكل الدولة القومية، وعلى عكس ما يُعتقد فالدولة القومية الكامنة في الليبرالية ليست علمانية بل إنها الشكل العصري المطلي بالطلاء الوطني لرؤية الدولة الثيوقراطية التي كانت في القرون الوسطى. وعليه لن نستطيع فهم أو تحليل أية قضية وطنية أو اجتماعية ما لم نستوعب الوجه الباطني للدولة القومية بهذا المنوال.


فحل الأمة الديمقراطية هو حل القضية الكردية وأي قضية وطنية الأكثر سلمًا وحريةً وعدلًا وخلوًا من الدماء، فيما يتعلق بالمجتمعات البشرية والمجموعات الإثنية ومختلف الفئات الاجتماعية التي قد مزقتها الحداثة الرأسمالية أو النظام العالمي المهيمن إربًا إربًا وأغرقتها في بحور من الدماء عبر حروب الدولة القومية والسعي للحفاظ عليها كمقدس.