الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الله موجود «2-2»


الجدل هو نقاش بين طرفين مختلفين حول فكرتين متعارضتين، ويقدم كل طرف الأدلة التي تؤيد صحة كلامه، ومن أنواع الجدل ما يسمى بالجدل البيزنطي، وهو نقاش لا فائدة منه، حيث يتناقش فيه طرفان دون أن يقنع أحدهما الآخر، ودون أن يتنازل أي منهما عن وجهة نظره، وهو أسهل طريقة لتجعل من المتحدث معك مخطئًا، فتترك من يتكلم ليقول ما يريده، ثم تختار جملة مما قاله وتركز عليها لتنتقد كل حديثه وتهدم فكرته.


وترجع تسمية "الجدل البيزنطي" إلى وقت حصار السلطان العثماني محمد الثاني للقسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، وكان البيزنطيون وقتها مستغرقين في جدل ديني فلسفي من خلال أسئلة مثل "هل الملائكة ذكور أم إناث؟"، و "من أتى أولًا البيضة أم الدجاجة؟"، مما شغل القادة بتكفير بعضهم البعض عن حماية وطنهم، فسقطت "القسطنطينية" سنة 1453م، والتي تسمى حاليًا اسطنبول وهى مدينة تركية. 


ويتبع طريقة الجدل البيزنطي عادة كل من يقول بعدم وجود خالق، فالمجادل لا يتحدث عن أفكاره الشخصية التي اقتنع من خلالها أنه لا يوجد خالق، ولكنه يحفظ كلام أحد الفلاسفة، ويتبنى أقوال أحد الملحدين، وغالبًا لا نجد ملحدًا يتحدث بقناعاته هو وملاحظاته التي أدت به لأن يكون ملحدًا. 


من يزعمون الإلحاد يريدون أن يثبت لهم المؤمنون أن الله موجود، ويتناسى الملحدون أن عليهم هم أن يقدموا أدلتهم التي اعتمدوا عليها في إنكار وجود الله، لأنه من السهل أن ينتقدوا المتحدث، لكن من الصعب أن يقنعوا المستمع بأفكارهم، فهم يعتمدون على الجدل البيزنطي الذي يقلب الحق باطلًا ويقلب الباطل حقًا.


فالحجة القوية والحقيقة الواضحة ليستا كافيتين لإقناع المجادل البيزنطي والذي يملك سرعة بديهة أكبر وقدرة على صياغة العبارات أفضل، لكن الحقيقة تبقى هى الحقيقة ولو لم تجد من يظهرها أو يدافع عنها.


والملحد عادة يعتمد على كلام يعكس ما يعيشه من صراع بسبب عدم اقتناعه بالفكر الديني في مجتمعه، فإنكار وجود الخالق عمليًا لابد أن يعتمد على حقائق وليس نظريات، لأن الحقائق تعتبر أدلة علمية تخضع للتجربة والإثبات، وليس الكلام النظري والجدل العقيم.


ومثال لذلك ما قام به اثنان من علماء الفيزياء المشاهير هما الإنجليزي "ستيفن هوكينج"، والأمريكي "ليونارد مولدينوو"، بتأليف كتاب "التصميم العظيم"، والذي تم نشره سنة 2010، وقد تضمن نظرية جديدة عن نشأة الخلق بدون خالق، اطلقا عليها اسم "نظرية M"، ويفسران حرف "M" بأنه يرمز في الإنجليزية إلى الحرف الأول من كلمات "سيد"، أو "لغز"، أو "معجزة". 


ومن أمثلة أفكار العالمين في النظرية: "أن قانون الجاذبية قد جعل من الممكن أن يخلق الكون نفسه"، ولم يوضحا من الذي أوجد قانون الجاذبية؟، ومثال ثانٍ: "تحليل فيزياء الكم يوضح طريقة نشأة قوانين الطبيعة في كوننا من خلال الانفجار الكبير"، ولم يوضحا من الذي أوجد قوانين الطبيعة؟، ومثال ثالث: "يمكن فهم الكون لأنه محكوم بقوانين علمية"، ولم يوضحا من الذي أوجد القوانين العلمية التي تحكم الكون؟.


والانفجار الكبير باختصار حسب علماء الفيزياء أنه حدث من جسم متناهي الصغر والكثافة، وهو التعبير الأقرب لقوله تعالى كن فيكون: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) يس 82.


ويرى العالمان أن الأرجح هو وجود أكوان أخرى لا نعرفها، ومع أنهما غير متأكدين يقينًا من وجود أكوان أخرى، إلا أنهما يؤكدان عدم وجود الخالق.


ويقول العالمان: "فإذا كانت رغبة الإله هى خلق الناس على الأرض، فهذا يعني أن الكون الذي لا نهاية له هو بلا هدف واضح وبالتالي فلا لزوم له"، ولم يوضحا أي إله يقصدان؟، و"نظرية M" تقول إن الكون يخلق نفسه بدون إله.


ومع أنهما عالمان في الفيزياء إلا أنهما تركا لغة الفيزياء والاثبات العلمي، ويحاولان أن ينفيا وجود الخالق باستخدام لغة أقرب للفلسفة، وردًا عليهما ومن باب الجدل الفلسفي ودراسة الاحتمالات، فإن وجود إله وبعث احتمال قائم، وعدم وجود إله وبعث احتمال قائم أيضًا، ولن يعلم أي الفريقين نتيجة صحة القرار في الحياة الدنيا.


ولذلك إن لم يكن يوجد إله، فلن يخسر من كفر بالله شيئًا ولا من آمن بالله شيئًا لأن الموت سيكون أبديا، لكن لو كان يوجد إله فسيكون هناك بعث، عندها سيخسر من كفر بوجود الله وبوجود البعث.


والسؤال: على أي أساس بنى الملحد اقتناعه أنه لا يوجد خالق؟، وكيف اقتنع وهو غير متأكد؟، ولأن العقل الإنساني مخلوق فهو لا يستطيع الحكم على وجود الخالق، فكل أمور الغيب بتفاصيلها وحقيقتها لن يستوعبها العقل.


ولذلك جاء الأمر من الله تعالى بالتفكر في الخلق للإيمان بأن الله موجود ولمعرفة صفاته وقدراته، ومنطقيًا فالنظام المحكم للكون لابد له من منظم حاكم موجود، وهذا الموجود عند المؤمنين هو الله.


وواقعيًا لا يحتاج الناس إلا لشيء موجود، وحاجة الناس لإله موجودة في مختلف الثقافات والحضارات، والاحتياج لله هو دليل وجوده، وحتى الآن لا يوجد دليل أو إثبات يؤكد عدم وجود خالق، ولذلك فإن الله موجود: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام 162-163.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط