الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.. محمد مبروك يكتب: دراما رمضان والواقع (1)

صدى البلد

 

يُعتبر شهر رمضان الموسم الأهم للدراما التليفزيونية الذي يتنافس فيه نجوم الشاشة الصغيرة لتقديم الأعمال الدرامية التي يقبل عليها المشاهدون بشكل مكثف منذ أن انتشرت القنوات الفضائية في كل المنازل، وقد اعتاد المشاهدون على متابعة أعمال جيدة كل موسم حين كان عمالقة الدراما يتصدرون المشهد من حيث الكتابة والإخراج والتمثيل، فمَن يستطيع ان ينسى الكُتّاب الكبار:  أسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبد القوي ومحمد صفاء عامر ويسري الجندي ومحفوظ عبد الرحمن وجهابذة الإخراج يحيى العلمي ومحمد فاضل وإسماعيل عبد الحافظ  الذين تسلموا الراية من نور الدمرداش ويسري مرزوق وحمادة عبد الوهاب بالإضافة إلى الكثير من نجوم التمثيل الذين قدموا أعمالاً درامية خالدة ارتبطت بهذا الشهر الكريم ولا ينساها المشاهدون...

كانت الأعمال متنوعة ما بين الاجتماعي والتاريخي والمأخوذة من بعض ملفات المخابرات أحياناً، وبرغم ضعف الإمكانات التقنية والمادية وقتها إلا أنها كانت أعمالاً مميزة وفيها من الإبداع ما أتعب من جاء بعدهم ليقدم نفس الفن بإمكانيات لا محدودة وتقنية غاية في التطور...

فمنذ دخلت الإعلانات التجارية بقوة ضمن عناصر هذه الأعمال وقد بدأت في الانحراف عن مسارها الصحيح الذي جعل الكثير ممن كانوا يتابعونها يعزفون عنها، حتى ظهرت تلك المنصات المدفوعة التي تعرض الدراما دون إعلانات تجارية كما كانت تُعرض من قبل، مما ساهم في عودة عدد من العازفين عنها للمشاهدة مرة أخرى، خصوصاً بعد ما طرأ عليها من تطور وحداثة

وبمتابعة بعض أهم هذه الأعمال تجد أنه من المدهش أن لا يتأثر صناع هذه الدراما جميعاً بما شهده العالم أجمع على مدار أكثر من عام من انتشار فيروس كورونا الذي زلزل الكرة الأرضية بأسرها وكان له بالغ الأثر الصحي والاقتصادي على كل البشر، حتى المسلسل الذي أُعلن عن عرضه في النصف الثاني من رمضان باسم "كوفيد 25" ليس له علاقة بما نعانيه الآن من انتشار لهذا المرض واستخدام الكمامات في كل مكان والإجراءات الاحترازية، وإنما هو من تلك النوعية التي تعتمد على الخيال التي يقدمها الفنان يوسف الشريف، فلم يُشر أي عمل إلى ما يحدث الآن فيما تمت متابعته من مسلسلات ولكن الملاحظ أن الجميع إما يعيشون في الماضي أو الخيال أو ال لا شيء!

فباستثناء مسلسليّ "الاختيار 2" و"لعبة نيوتن"، يحصل الجميع على صفر مكعب، بدءاً من مسلسل النجم الموهوب - والمثير للجدل - محمد رمضان الذي يقدّم مشاهد مكررة في محاولة للبعد عن النمط الذي عُرف به، لكن السيناريو مهلهل لا يقدم خطوطاً درامية محكمة رغم براعة المخرج في بعض المشاهد، لكن بعد عرض أكثر من نصف حلقات المسلسل، يتضح ضعف مستواه عما قد قدمه محمد رمضان في المواسم السابقة...

أما "القاهرة: كابول" الذي كان الجميع ينتظره، فقد أظهر ضعف الورق الذي اعتمد على الرسائل المباشرة والتلقين على لسان الفنان الكبير نبيل الحلفاوي والنجم خالد الصاوي، لكن مجمل العمل ضعيف ولا يرقى لأن يكون من الأعمال الجيدة التي لاقت كل هذا الاهتمام والمتابعة

ومسلسل "هجمة مرتدة" أيضاً الذي من المفترض أن به كل معطيات النجاح من معلومات من ملفات المخابرات وإمكانات إنتاج ضخمة ونجمين لامعين هما أحمد عز وهند صبري، لكن السيناريو والإخراج واختيار الممثلين المساعدين فيه أزمة كبيرة، جعل المشاهد يشعر وكأنه يشاهد فيلم وثائقي به الكثير من المعلومات والأشخاص والأحداث دون دراما، ويتذكر معه الأعمال القديمة مثل “رأفت الهجان” و”دموع في عيون وقحة” ويستغرب من هذا الأداء الهزيل والسيناريو الفارغ من الحبكة الدرامية رغم ثراء المعطيات!

أما المفاجأة ففي الإصرار على الكتابة مع الإخراج لمسلسل "نسل الأغراب"، فبرغم تميز المخرج محمد سامي إلا أن إصراره على تفصيل أدوار تُرضي بعض الممثلين (متوسطي أو محدودي الموهبة) بهذا الشكل يُضيع هذا التميز، وحرصه على إعطاء مساحة لهؤلاء الممثلين، ربما يجعله يقوم بالكتابة والإخراج معاً، بينما يتضح أن خياله في الكتابة مدهش حقاً، فلا أدري في أي دولة ولا في أي زمن يوجد هؤلاء الناس الذين يقتلون بغير حساب ويزرعون الأفيون ويلقبون بالبهبوات ويسكنون القصور، وهنا أذكر الكاتب الكبير محمد صفاء عامر وأعاتبه على شخصية "رفيع بيه" في مسلسل "الضوء الشارد" التي جعلت الكثير من كتاب الدراما الصعيدية - فيما بعد - يحاولون تقليده في تناول هكذا شخصيات، ويطلقون تلك الألقاب على كل من هب ودب، ولكن ليس هكذا تورد الإبل!، فلا يقوم الناس في قرى الصعيد بالتعامل بهذا الشكل، ولا يتكلمون جميعاً بتلك اللهجة، ولا يُنادي أحدهم الآخر بفلان بيه ولا عِلّان بيه وإنما هم مصريون مثلهم مثل أهل وجه بحري، يُلقبون الناس هناك بألقابهم، الأستاذ والدكتور والحاج والباشمهندس... عادي، كما إن السيدات في المنازل لا يجلسون طيلة الوقت بتلك الملابس ولا بهذا الكم من مساحيق ومستحضرات التجميل على وجوههم مثلهم مثل باقي المصريات... كل هذا يجعل المشاهد يتابع أحداثًا يشعر في كل مشاهدها أنها مجرد تمثيل غير متقن ومنخفض المستوى يتم بثها لأغراض تجارية ولشَغل الفراغ...

وأخيراً، من حسن الحظ أن نجد وسط هذه الأعمال مسلسل "الاختيار 2" الذي استفاد صنّاعه من التجربة الأولى في الموسم الماضي وقدّموا عملاً مميزاً بالفعل، كما أن "لعبة نيوتن" - إلى الآن - عمل متقن ورقاً وتمثيلاً وإخراجاً، مما يضع هذين العملين في المقدمة - إلى الآن -، وللحديث بقية.