الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الشيمى يكتب : شروق ... !

صدى البلد

المطر يتساقط بشدة وامتلأت الشوارع الضيقة بالماء المنهمر. كادت تنزلق على الرصيف . انثنت أسلاك المظلة التي تحميها من شدة المطر . وقفت تحتمى بمظلة أحد المحال التجارية فى الشارع ولكن دون جدوى وكأنها هى المقصودة لتغتسل من الهموم .

كانت وهى طفلة صغيرة تفرح بالمطر ، تخرج إلى الشرفة وتعرض وجهها وجسدها للسماء ، تتسلل دون أن تراها أمها إلى الشارع لتلعب مع الفتيات ، هذة هى أصعب المهام التي كانت تقوم بها ولكنها تشعرها بالسعادة رغم البرودة و تجمد أطرافها ... فى هذة الليلة الجو كان بارداً والصقيع يجرح أنفها ويصلًب أطرافها ، ضمت يديها تنفخ فيهما من البرد ، ثم حاولت أن تتفادى برّكه الماء فى منتصف الطريق ، لمحت فى السماء نجمة تحاول أن تخترق السحاب الكثيف وتنير لها الطريق ، ظلت تتابعها و تهتدى بها حتى وصلت إلى البيت...

شروق تخشى الوحدة فعندما تغلق باب الغرفة و ينعكس ضوء المصباح على المرآة الموجودة فى حجرتها  ،  تشعر أن الجنون هو المصير الوحيد لها . حاولت كثيراً أن تكبت هذا الإحساس بداخلها ولكنها فشلت ... هى تهرب بخيالاً واسع من كل ما يمت للواقع بصلة ، كانت تذيب همومها بركعتين ولكن تعود إلى عزلتها كالطفل الذي يبكي غربةَ الأبوين ... نعم مازالت تحمل بقايا أمنية ، مازال فى القلب أوتار الحنين ، مازالت تحفظ طيفه فى عيناها كالأم التى تحتضن صغيرها في ممر مُظلم ، تراهُ بعيداً وسط الزحام ويختفى أمامها كالضباب ، تراهُ مسافراً يحلم أن يعود دون مغادرة أو وصول ، تراهُ سجن يخنق الجدران .. سجن بلا حدود أو قيود ..

ترقرقت الدموع فى عيناها فجأة بعد أن كانت لا تذرف الدمع إلا قليلا . اندفعت الى كتاباته كالذى يفك قيوده بعد حصار طويل ، نظرت إليه فى صورة تجمعهم سوياً بعيون تائهه وارتسمت الدهشة على وجهها وهى تقرأ كلامه عنها

كتب إليها عن الغياب : في كل مرة تذهبى ، أنتظر شروقك ولكنك تغيبى وأذبل ...

كتب إليها بلهفة يقول : لماذا بقى صوتك حاضراً إلى هذا الحد ، لماذا تصون الذاكرة حروفك ... لماذا تتبخر غيرتى وأنسى كل حروفي حين أراكى أمامى ..؟ .

كتب لها رسالة يحاول أن يفلس غضبها قائلا: أعترف بينى وبين نفسى أنك صديقتى ... وأقر بينى وبين قلبى أنك حبيبتى ... وبين روحى توأم ملتصق... وبكل معانى الصدق والوفاء أنتى لى كل هؤلاء ...

فتحت رسالة أخرى و كانت تقرأ بصوته قائله : كلما نظرتى من النافذة حتماً ستقتلين شاباً ... كلما خرجتى إلى البحر مع صديقاتك تسألينى : من الأجمل ؟ فأصمت لاننى فى الحقيقة لا أرى معك فتيات ... يا سيدتى لا تحزنى لأني فقير فربما أرسل إليكى الفارس الآن وغداً سيرسل الحصان.

 كان يناديها كثير فى حديثه " بشوّق " ، ووقت الرضا عنها " بروّقة " أما فى وقت الضجر " بيا شر " وعندما تحدق عيناها يكمل أسمها مضطر بعد مد حرف " الواو وفتح القاف  "

آخر ما وصل إليها من رسائل كانت توحي بالألم والانفصال كتب يقول : بعد أن نبض الأمل فى عروقى وتحررت أحلامي من الوهم وركضت الآماني نحو العمل وتنفست الحياة من جديد .. سأموت بدونك تدريجياً وستذبل بهجة أيامي وتختفى أثر سعادتى ، وستنتهى الأمور لِقبر داخل صدرى بدونك ، كل ذلك فى غمضة عين ...

كانت تواجه الشدائد بعزيمة وجأش أما الآن فأصبحت لا تحتمل ، كانت ذو وجه برئ وقلب نقى تملىء على الدنيا البهجة والفرح ، عيونها غنية، وعائلتها يحسدونها على جمالها ، عاشت على السجية ، تضحك وتغني وتشدو ، كانت طفلة كبيرة ... حتى ذبلت وغاب شروقها وباتت تصارع دقات قلبها لتعيش فى سرحان و شرود دائم ... وأصبح كلا منهم يعيش فى عزلة عن الآخر وهي تتقلب على جمر النار و الكبرياء ومحاصرة بالوساوس التى نسجتها من محض خيالها و تحترق بها  ....

،،،، مدت يدها تكتب إليه فى لهفة ،،،،

علمتنى الأشواق كيف أعيشُها

وعرفتُ كيف تهزني أشواقي 

كم داعبت عيناي كل دقيقةٍ

كم شدني شوق إليك .. لعله

ما زال يحرق بالأسى أعماقي 

أو نلتقي بعد الوفاء .. كأننا

غرباءُ لم نحفظ عهوداً بيننا ؟!

فيا من وهبتك كل شئ إنني 

مازلت بالعهد المقدس .. مؤمنه 

فإذا انتهت أيامنا فتذكر

أن الذي يهواك في الدنيا .... هى أنا

( جففت دموعها ثم طوت الورقة وكتبت عليها تاريخ اليوم . ووضعتها بين عشرات الرسائل المطوية ولم ترسلها .... ثم نامت ) !