الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معركة الوعي (1)

في كل مرة يخاطب فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي المصريين عبر المنابر المختلفة ، يؤكد أن معركة الوعي هي "معركة الوطن" وهي أم المعارك التي على المجتمع بأسره خوضها .. فعلى الرغم مما حققته الدولة المصرية من إنجازات هائلة وملموسة سواء على صعيد الأمن الداخلي وفرض سيادة القانون ، أو على صعيد الجاهزية العسكرية بإعادة بناء جيش هو الأقوى إقليميًا ، أو على صعيد التنمية الاقتصادية وتوفير حياة كريمة للمواطنين .. إلا أن الرئيس دأب على التحذير من الوقوع في شرك مخططات الداخل والخارج .. ووجه عبر مداخلة هاتفية أجراها مع الإعلامية "عزة مصطفى " منذ أيام عبر قناة صدى البلد ، الاهتمام برفع الوعي العام ، وقال أنه مُستعد لتقديم دعم للأعمال الفنية لخلق الوعي المصري .
 والحقيقة التي لا جدال فيها ، أن الرئيس محق فيما قال ، فالوعي بشكل عام ، والسياسي بشكل خاص يمثل الركيزة الأساسية التي يُبنى عليها النظام السياسي والاجتماعي ، إذ أن إغفال موضوع الوعي في عملية بناء الدولة سيعني البناء على أسس من الرمال ، ولن يصمد هذا البناء أمام أي أزمة قد تمر بها الدولة أو المجتمع مهما كان حجم البناء السياسي أو العمراني .
 وللأسف ، فقد شهد واقعنا صورًا عديدة من صور تغييب الوعي على كل المستويات وفي شتى الوسائل ، حتى كبرت البلية وتفاقمت ، وعظمت المشكلة وتأزمت ، فأصبحنا نرى كثيرًا ممن يدعون الفهم ويحوزون مفاتحه ، يسوغون المخالفات ، ويفتون بالأباطيل ، ويجيزون الخرافات .. وقد لعب الدور الأعظم في كل ذلك الإعلام بمختلف مستوياته ، فبتنا نرى الكاذب صادقًا ، والجاهل عالمًا ، وصارت الأخبار الضعيفة صحيحة ، والخرافة حقيقة ، والباطل حقًا .
 إن عودة الوعي تحتاج إلى وقفة صادقة حازمة توقف ذلك العبث ، وتزيل تلك الغشاوة عن أعين الناس .. فيعود المدرس صاحب هدف ورسالة ، والخطيب صاحب فكر مستنير ، والعالم ذو علم واسع متعدد ، والمجتمع بعمومه يسير وفق هدف ورسالة وغاية تصنع له مكانة سامية بين الأمم والمجتمعات.
 ولذلك ، فإن معركتنا الحالية هي "فكرية" في المقام الأول .. هي معركة الكلمة والقلم والُجمل والأخبار والتقارير والبرامج والصحافة والإعلام والفن ، التي يجب أن ننتصر فيها على العدو ، وتكون أسلحتنا الفكرية والثقافية والإعلامية أقوى من أسلحة العدو الذي يسعى إلى تزييف الحقائق ، والإخلال بمعايير الصواب والخطأ ، والعبث بمكونات هويتنا التي تأصلت عبر سنوات طويلة .
 هل تساءلت يومًا لماذا لا تهرب الأفيال من السيرك، لماذا لا تكسر القيود والسلاسل التي تقيِّدها بكل بساطة وتهرب، ففي النهاية الفيل الذي لديه من القوة والضخامة لحمل حمولات القطارات وجذب السيارات الضخام لن يعجز عن كسر القيود التي تكبِّله… فأين المشكلة إذن؟ المشكلة ليست في القيود التي تكبِّل قدمه، المشكلة في القيود التي تكبِّل وعيه، إذ أنه منذ طفولته وهو يرسف في هذه الأغلال حينما لم يكن يقوى على الخلاص منها، ولما كبر كبر معها وظل في عقله ضعفه ويأسه من الخلاص أو الفكاك منها...هذا مثال رمزي بسيط على ما يمكن أن يفعله التلاعب بالوعي، إذ يمكنك أن تجعل إنسانًا -سواء دري أم لم يدرِ- حبيس فكرة معينة وتشكِّل موقفه تجاه الأشياء ترغيبًا أو ترهيبًا عن طريق كلمة أو موقف أو صورة قد لا يلقي لها بالًا، وعلى هذا لم تعد الحروب بين الأمم على حيازة الأرض بالبنادق والصواريخ، بل أصبحت على حيازة الوعي وتشكيله وتوجيه الجماهير، ومن فهم هذا أعاد النظر في الكثير مما تمتلئ به بيوتنا ومجتمعاتنا .
ومع هذا ، لا يجب أن تأخذنا الحماسة الزائدة ، والرغبة الشديدة في خلق الوعي ، إلى العمل بدون خطة استراتيجية ، ومنهج واضح ، يمنح الثقة للمبدعين والمفكرين وخبراء الإعلام والمخلصين من أبناء الوطن للبحث عن مخارج لأزمة الوعي القائمة ، من خلال غرس فسائل الوعي في نفوس المواطنين وتوعيتهم بالحرب الإعلامية التضليلية التي يركز عليها أعداء الداخل والخارج في الأوقات الحرجة .. وهو ما أكد عليه السيد الرئيس مرارًا وتكرارًا .

2

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط