الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل جميع ما ورد بـ الموطأ صحيح ؟.. أمين الفتوى يجيب

المسجد النبوي
المسجد النبوي

كتاب الموطأ.. يعد مجلد الإمام مالك بن أنس بن مالك رضي اللّه عنه، أولى دواوين الحديث والفقه في العصور الإسلامية وأقدمها، حيث ينسب لإمام أهل الهجرة المذهب الفقهي الأول والمدرسة الأولى في فهم السنة النبوية المطهرة والتعاليم النبوية الشريفة، وفي فضل الموطأ ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤالاً يقول: هل جميع ما ورد في أحاديث الإمام مالك صحيحاً؟

صحة أحاديث الموطأ

وقال الشيخ محمد وسام أمين الفتوى بدار الإفتاء، رداً على صحة ما ورد من أحاديث في موطأ الإمام مالك، إن موطأ الإمام مالك لا يمكن أن نسأل عنه، فهو من أصح الكتب بعد القرآن الكريم هو وصحيح البخاري إلا أنه لولا امتزاجه ببعض الآراء الفقهية للإمام لقدم عليه، مشدداً على أن الموطأ مقدم في بعض البلدان ومنها المغرب العربي.

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=876690682962647&id=100064488738150

نشأة الإمام مالك

وُلد الإمام مالك بالمدينة المنورة سنة 93هـ، ونشأ في بيت كان مشتغلًا بعلم الحديث واستطلاع الآثار وأخبار الصحابة وفتاويهم، فحفظ القرآن الكريم في صدر حياته، ثم اتجه إلى حفظ الحديث النبوي وتعلُّمِ الفقه الإسلامي، فلازم فقيه المدينة المنورة ابن هرمز سبع سنين يتعلم عنده، كما أخذ عن كثير من غيره من العلماء كنافع مولى ابن عمر وابن شهاب الزهري، وبعد أن اكتملت دراسته للآثار والفُتيا، وبعد أن شهد له سبعون شيخًا من أهل العلم أنه موضع لذلك، اتخذ له مجلسًا في المسجد النبوي للدرس والإفتاء، وقد عُرف درسُه بالسكينة والوقار واحترام الأحاديث النبوية وإجلالها، وكان يتحرزُ أن يُخطئ في إفتائه ويُكثرُ من قول "لا أدري"، وكان يقول: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه".

كان درس الإمام مالك بن أنس أول الأمر في المسجد النبوي، ثم صار درسُه في بيته بسبب مرضه الذي لم يكن يعلنه، فقد كان مصابًا بسلس البول، ولم يخبر بذلك إلا يوم وفاته، وعنه قال الإمام مالك: "لولا أني في آخر يوم ما أخبرتكم، مرضي سلس بول، كرهت أن آتي مسجد رسول الله بغير وضوء، وكرهت أن أذكر علتي فأشكو ربي". التزم الإمامُ مالك في درسه الوقارَ والسكينةَ، والابتعادَ عن لغو القول وما لا يَحسن بمثله، وكان يرى ذلك لازمًا لطالب العلم، يُروى أنه نصح بعض أولاد أخيه فقال: "تعلّم لذلك العلم الذي علمته السكينة والحلم والوقار"، وكان يقول: "حق على من طلب العلم أن يكون فيه وقار وسكينة وخشية، أن يكون متبعًا لآثار من مضى، وينبغي لأهل العلم أن يخلوا أنفسهم من المزاح، وبخاصة إذا ذكروا العلم".

ويصف مطرفٌ تلميذ الإمام مالك بن أنس حاله عندما انتقل درسه إلى بيته فيقول: كان مالك إذا أتاه الناس خرجت إليهم الجارية، فتقول لهم: "يقول لكم الشيخ: أتريدون الحديث أم المسائل؟"، فإن قالوا المسائل خرج إليهم فأفتاهم، وإن قالوا الحديث قال لهم: اجلسوا ودخل مغتسله، فاغتسل وتطيب ولبس ثيابًا جددًا، ولبس ساجة وتعمم، وتُلقى له المنصة، فيخرج إليهم قد لبس وتطيب، وعليه الخشوع، ويوضع عودٌ فلا يزال يتبخر حتى يفرغ من حديث رسول الله.

وكان يتحرز أن يخطئ في إفتائه، وكان يبتدئ إجابته بقوله: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وكان يكثر من قول "لا أدري"، وقال معن بن عيسى: سمعت مالكًا يقول: «إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه. كما كان الإمام مالك ينهى عن الجدال في الدين ويقول:" المراء والجدال في الدين يذهب بنور العلم من قلب العبد". ورأى قومًا يتجادلون عنده فقام ونفض رداءه وقال: "إنما أنتم في حرب".

ويُعدُّ كتابه "الموطأ" من أوائل كتب الحديث النبوي وأشهرها وأصحِّها، حتى قال فيه الإمام الشافعي: "ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صوابًا من موطأ مالك". وقد اعتمد الإمام مالك في فتواه على عدة مصادر تشريعية هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، وعمل أهل المدينة، والقياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والعرف والعادات، وسد الذرائع، والاستصحاب.

وقال القاضي عياض: "لم يُعتنَ بكتاب من كتب الفقه والحديث اعتناءَ الناس بالموطأ، فإن الموافق والمخالف أجمع على تقديمه وتفضيله وروايته وتقديم حديثه وتصحيحه، وقد اعتنى بالكلام على رجاله وحديثه والتصنيف في ذلك عددٌ كثيرٌ من المالكيين وغيرهم من أصحاب الحديث والعربية». وقال ابن مهدي: "لا أعلم من علم الإسلام بعد القرآن أصح من موطأ مالك"، وقال ابن وهب: "من كتب موطأ مالك فلا عليه أن يكتب من الحلال والحرام شيئًا"، وسُئل الإمام أحمد بن حنبل عن كتاب مالك بن أنس فقال: "ما أحسنه لمن تَديَّن به". وقد قام كثير من العلماء بشرح كتاب الموطأ، على اختلاف العصور.

وله كتب أخرى منها "رسالته في القدر، والرد على القدرية، وكتابه في النجوم، وحساب مدار الزمان ومنازل القمر.

ومن كتبه أيضًا: رسالته في الأقضية، كتب بها إلى بعض القضاة عشرة أجزاء، ومن ذلك: رسالته المشهورة في الفتوى، أرسلها إلى أبي غسان محمد بن مطرف، ومن ذلك: رسالته المشهورة إلى هارون الرشيد في الآداب والمواعظ، وكتابه في التفسير لغريب القرآن الذي يرويه عنه خالد بن عبد الرحمن المخزومي. وقد رُوي عن أبي العباس السراج النيسابوري أنه قال: هذه سبعون ألف مسألة لمالك.

ورد عن الإمام مالك أن أنس رحمه الله، كثيرٌ من الأقوال المأثورة والحكم المشهورة منها قوله: "ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما العلم نور يضعه الله في القلوب". وقوله أيضا "طلب العلم حَسَنٌ لمن رُزق خيرُه، وهو قسم من الله، ولكن انظر ما يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه". وقال: "العلم نَفورٌ لا يأنس إلا بقلب تقي خاشع". وقال: «ينبغي للرجل إذا خُوِّل علمًا وصار رأسًا يشار إليه بالأصابع، أن يضع التراب على رأسه، ويمقت نفسه إذا خلا بها، ولا يفرح بالرياسة، فإنه إذا اضطجع في قبره وتوسد التراب ساءه ذلك كله». وقال لابن وهب: "اتق الله واقتصر على علمك، فإنه لم يقتصر أحد على علمه إلا نفع وانتفع، فإن كنت تريد بما طلبت ما عند الله فقد أصبت ما تنتفع به، وإن كنت تريد بما تعلمت الدنيا فليس في يدك شيء".

كما جاء عنه رحمه الله أقوال أخرى ،منها قوله: "من أحب أن تُفتح له فُرجةٌ في قلبه فليكن عمله في السر أفضل منه في العلانية". وقال: "الزهد في الدنيا طِيب المكسب وقِصَر الأمل". وقال: "نقاء الثوب وحسن الهمة وإظهار المروءة جزء من بضع وأربعين جزءًا من النبوة". وقال: "إن كان بغيُك منها ما يكفيك، فأقَلُّ عيشها يغنيك، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى". وقال خالد بن حميد: سمعته يقول: "عليك بمجالسة من يزيد في علمك قولُه، ويدعوك إلى الآخرة فعلُه، وإياك ومجالسة من يعلِّلُك قولُه، ويعيبك دينُه، ويدعوك إلى الدنيا فعلُه". وكان الإمام مالك يَكره كثرةَ الكلام ويعيبه، ويقول: "لا يوجد إلا في النساء والضعفاء".

أما محنة الإمام مالك بن أنس فقد قيل فيها الكثير وقد جاءت مختصرة وموجزة وفيها كل التفاصيل، في كتاب "الفكر السياسي في الاسلام" للكاتب الراحل جمال بدوي.

"ففي عهد الخليفة المنصور – جبار الدولة العباسية- كان يقود تيار الخروج وقتئذ محمد بن عبد الله (النفس الزكية) حفيد الحسن بن علي سبط النبي صلى الله عليه وسلم. ولكنه قبل أن يعلن الخروج راح يستفتي إمام دار الهجرة وشيخها وعالمها الكبير الإمام مالك بن أنس فروى له مالك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس على مستكره يمين) أي انه يجوز للمرء إذا حلف يمينًا تحت إكراه أن يتحلل مما أقسم عليه، وشاعت هذه الفتوى في أنحاء الحجاز ووجد فيها الناس مخرجًا من حرج الاكراه وانضموا للثائر العلوي. وعلمت عيون الخلافة بهذه الفتوى الخطيرة. فبعث المنصور الى الإمام مالك بن أنس من ينصحه بالسكوت عن هذا الحديث، ولكن مالك لم يذعن لمطلب الخليفة وهو يعلم من هو المنصور عتوا وجبروتًا. وآثر غضب الخليفة على أن يكتم الناس حديثا انتهى اليه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأسرها المنصور في نفسه، حتى إذا فرغ من ثورة محمد النفس الزكية، التفت الى تأديب الإمام مالك على فتواه وعهد بهذه المهمة الخسيسة إلى عامله على المدينة جعفر بن سليمان، فاستدعى الإمام مخفورا إلى دار الإمارة وأمر جلاديه فنزعوا ثياب الإمام باستثناء العورة، ثم أوثقوه بالحبال وطرحوه أرضا وانهالوا على ظهره العاري بالسياط حتى سالت منه الدماء. ثم أمر فوضعوه في العقابين، فلما شدوا ذراعيه في قسوة تخلعت مفاصل كتفيه، وبقى الإمام مالك يعاني من آلام الكتفين بقية عمره. فكان حين يصلي يترك يديه مرسلتين إلى جنبيه.

نشأ المذهب المالكي بالمدينة المنورة موطن الإمام مالك، ثم انتشر في الحجاز وغلب عليه، ثم انتشر انتشارًا واسعًا في إفريقيا والمغرب ثم الأندلس، وانتشر عبر التاريخ في مختلف الآفاق.

أما وفاته رحمه الله ، فقد مرض الإمام مالك اثنين وعشرين يومًا، ثم جاءته منيته، وفي رواية عن بكر بن سليم الصراف قال: دخلنا على مالك في العشية التي قبض فيها، فقلنا: "يا أبا عبد الله كيف تجدك؟، قال: "ما أدري ما أقول لكم، ألا إنكم ستعاينون غدًا من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب"، قال: ما برحنا حتى أغمضناه، وتوفي رحمه الله يوم الأحد لعشر خلون من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومئة هجرية.