الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معركة الوعي (8)

ليست هي المرة الأولى التي ينادى فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بوجوب الشروع في بناء الوعي وتصحيح الخطاب الديني .. فهي قضية حاضرة وملحة لا ينفك الرئيس عن معاودة الإشارة إليها بكل مناسبة لها صلة بالموضوع الديني أو الثقافي ..فقد أكد السيسي مجددًا ، في كلمته خلال احتفالية وزارة الأوقاف بذكرى المولد النبوي الشريف ، الأحد 17 أكتوبر 2021 ، أن مصر ماضية في مهمتها لبناء الوعي وتصحيح الخطاب الديني ، مشددًا على أنها مسئولية تشاركية تحتاج إلى تضافر كافة الجهود من أجل بناء مسار يؤسس لبناء دولة المستقبل ، كما أكد أن قضية الوعي هي مسألة تتعلق بصميم الأمن الوطني والسلم العام ، ودعا المؤسسات الدينية لمضاعفة الجهود لنشر قيم التسامح والعيش المشترك.
  
والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان ، أن بناء الوعي المجتمعي بالدين هو صمام أمان للحفاظ على أمن المجتمع واستقراره ، خاصة بعدما ابتليت مجتمعاتنا بمن يحرف لها فكرها الديني تحت شعارات العصبة والجماعة الدينية ، ولا زلنا حتى الآن نعاني من آثار من انخدعوا بفكر تلك الجماعات الزائفة بسبب ضعف الوعي والثقافة الدينية .
  
والحقيقة الأخرى ، التي يجب إقرارها والإشارة إليها هي أن عملية الإصلاح الديني أو تجديد الخطاب الديني ليست فقط مسئولية علماء الدين وحدهم ، بل هي مسئولية تشاركية بين علماء الدين والمؤسسات التعليمية والإعلامية وأهل الفكر والثقافة .. فالدين ليس مجرد إيمان موقر وعبادات خاصة ، بل هو معاملات وفاعل اجتماعي وسياسي واقتصادي كبير ومؤثر ، وبالتالي يجب دراسة آثاره على جميع هذه المناحي .
  
لقد نتج عن قلة الوعي الديني والثقافي لدى الفرد العربي بصفة عامة والمصري بصورة خاصة ، تمكن الجماعات والتيارات المنحرفة والتكفيرية من بث أفكارها وسمومها المتطرفة وتسويقها على السذج والبسطاء من الناس ، مع إضافة بعض التأويلات الخاطئة والمنحرفة للنصوص الدينية ، ما جعل الكثيرين من الشباب ينخرطوا في صفوف تلك التيارات ظنًا منهم بأنهم بفعلهم هذا يطبقون الشريعة الدينية .
   
وفي ضوء هذا الواقع ، لابد أن تتركز جهود جميع المؤسسات المعنية على تجفيف منابع الإرهاب ، من خلال توعية الشباب وبيان المنطلقات الفكرية المتزنة لديهم وعدم الانجراف وراء كل من هب ودب ، ومعالجة هذا الأمر يكمن في رفع المستوى الثقافي والمعرفي للفرد وخلق جيل واع ومثقف لا يغمض عيناه ويصم أذنه وعقله أمام التفكر والتدبر بكل ما يطرح ويراد له أن يكون أساس ومنهج تسير عليه الأمة في حياتها ومنهجها وسلوكها .

ولا شك ، أن هذا بدوره ، يتطلب صوت إسلامي معتدل يراعي متطلبات الحياة ، ويأخذ بعين الاعتبار كل أشكال التقدم والتطور الذي يشهده العالم في بناء الحياة مع الحفاظ على هوية البلاد الدينية ، وتكون الشريعة للحياة قولًا وفعلًا ومنهجًا وسلوكًا .. لا كما تصوره لنا التيارات والجماعات الدينية المتطرفة التي شوهت وتشوه اسم الإسلام وتعاليم الدين من خلال ادعاها للدين زورًا وبهتانًا وتبنيها لتلك التنظيمات الفكرية والإرهابية المتوحشة.
  
إن الوعي الديني الحقيقي يعني ببساطة فهم جوهر الدين الإسلامي وفلسفته ، التي تقوم على التسامح وقبول الآخر والوسطية ، إضافة إلى العدالة والإنصاف ، والإسلام أيضًا دين يدعو إلى العمل والبناء ... والوعي الديني الحقيقي هو حائط الصد وجدار الحماية ضد أي محاولة لاختراق المجتمع وعقول شبابه من قبل الفكر المتشدد والمتطرف.
  
وختامًا ، ورغم إشادتي  بجهود وزارة الأوقاف والأزهر الشريف في تطوير نظم إعداد وتأهيل الدعاة بالتعاون مع الجهات المختلفة ذات العلاقة مثل كليات الإعلام والمؤسسات الإعلامية ، وفي رصد الفتاوى والاراء الشاذة والرد عليها ومجابهتها بالحجج والبراهين . فإنني أود أن أشير إلى بعض الأمور التي يجب الحرص عليها ونحن نخوض غمار معركة بناء الوعي الديني :
-أولها : ضرورة أن يتوافر لدى من يتصدى للحديث في الشأن الديني على منابر المساجد وكذلك في وسائل الإعلام ، قدر مناسب من الثقافة الدينية إضافة إلى القدرة على التواصل مع الجماهير وعرض أفكاره ورؤاه بمهارة وامتلاكه القدرة على الإقناع .
-وثانيها : أن تتم عملية تصحيح وتجديد الخطاب الديني بالتوازي في جميع المؤسسات المعنية (الدينية، التعليمية ، الثقافية ، الإعلامية ، ... ) وفي جميع الأماكن والوسائل ( المساجد والزوايا ، المدارس والجامعات ، قصور الثقافة والمؤتمرات والندوات ، التليفزيون والجرائد والمجلات ، وسائل التواصل الاجتماعي ، ...) من خلال مجموعة من العلماء والأئمة وكبار المتخصصين ، حتى يتحقق الهدف المنشود وهو نشر صحيح الإسلام ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي صدرتها الجماعات المتطرفة عن ديننا الحنيف .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط