الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشاعر أحمد سراج: فؤاد حداد مثقف عضوي لم يهادن أحدا

فؤاد حداد
فؤاد حداد

في ذكرى ميلاد الشاعر الكبير فؤاد حداد، تحدثنا مع الشاعر أحمد سراج، عن عدة نقاط هامة تخص حياة حداد الملهمة، والتي ألهمت الكثير من أبناء جيله من الشعراء.


فخلال حديثه لـ"صدى البلد"، تحدث سراج عن أن تجربة فؤاد حداد قد استمدت أهميتها من أنه عاش فترة عاصر خلالها أكثر من حاكم، وقد تعامل مع كل حاكم على أساس أنه صوت الشعب، باعتباره ممثل الشعب، مع وجود حلم وطني متمثل في جمال عبد الناصر، فدائما ما كان حضور حداد هو انعكاس لحضور الشارع، فنحن نلمح من خلال أشعاره أنه كان دائما ما ينحاز للمواقف الوطنية، وتارة أخرى كان يتصدى للأفكار التي تحاول التقليل من أهمية الشعب، أو تحاول تغيير أفكار الشعب ومبادئه.

مثقف عضوى

وقد كانت تجربته ملهمة، إذ كان يعرف مكانه كشخص وطني، والمسألة الثانية تتعلق ببراعته الشديدة في أن يقرأ نصه الشعري المثقفون فيفهموه، يسمعه العامة فيفهموه هم أيضًا وينفعلوا به، لدرجة أنه عندما طرح الدكتور سيد ضيف الله أطروحته للدكتوراه، والتي حملت عنوان "صورة الشعب بين الشاعر والرئيس" فقد كانت الأطروحة حول فؤاد حداد، والذي اختلف عن صلاح چاهين، الذي عرف عنه الصلابة، لكنه بعد هزيمة ١٩٦٧ هزم وانكسر ودخل في موجة اكتئاب، إلا أن حداد تجاوز هذه الأزمة وقاوم، وقد استطاعت السلطة في بعض الأحيان أن تحيد من بعض الشعراء إلا أن الأمر لم يحدث مع فؤاد حداد، فخلال تبنيه لأفكار عبد الناصر، لم يكن "بوق" للثورة بل إنه خلال تلك الفترة سجن إذ تم اعتقاله من سنة ١٩٥٣ إلى سنة ١٩٥٦، وخلال تلك الفترة أفرج عنه لمدة شهرين وتم اعتقاله لمرة ثانية، قبل أن يعتقل سنة ١٩٥٩، إلا إنه لم يكن يغلب مصلحته الشخصية، فقد كان مثقفا عضويا.

رغبة التغيير

يستطرد سراج: لو نظرنا إلى تركيبته الشخصية فسنجد أن لاقى تعليما جيدًا، وكان عنده وظيفة داخل الدولة، فهذا الشخص الذي تخرج من مدرسة الفرير لم يكن أحد يتوقع بالطبع أن ينتمى لطبقة أخرى غير التي انتمى إليها، لكن الغريب أن حداد فعل العكس، فقد كان "معجونا" بالدم المصري وقد عبر عن الشعب باختلاف الظروف، فلو قرأت نص المسحراتي، فستجد أنه فعل شيئا آخر مختلفا عن بقية الكتاب، فعندما يخاطب الكتاب والشعراء العامة، فهم عادة ما يحاولون تبسيط اللغة لهؤلاء، بجانب تبسيط تقنيات الأداء، لكن فؤاد تعمد أن يعمق الموضوعات فعندما اختار المسحراتي، تناول خلالها الحرف من خلال الشعر وهو نوع من الحفاظ على الهوية، وكلما ارتفع بتقنيات الأداء كان ذلك لصالحه، فقد استغل حالة الشغف الموجودة عند الناس، وأراد بدوره أن يمرر لهم أكبر قد ممكن من المعلومات، وأن يدربهم بصورة أكبر على التقنيات الفنية، لذلك فحداد دائما ما كان يحاول أن يوازن بين الموضوع وبين التقنية وبين رؤية العالم ورغبته في التغيير.

تركيبات فصحى

ودائمًا ما تجد داخل نصوص حداد تركيبات فصحى، بجانب استدعاؤه للتراث العربي، وفي نفس الوقت لم يؤثر هذا الأمر على النص الشعري نفسه، بل بالعكس تقبل الناس هذا النوع الذي قدمه حداد، دون أن يشعر به أحد، لذلك فتجربته في سياق الشعر يجب أن تقرأ في سياق الفن وفي سياق الثقافة المقاومة، إذ لا يجب أن تقرأ في سياق الشعر العامي، لأن الشعر والرواية والقصة جميعهم فن يحاول أن يغير للأفضل، ولأنه ارتقى والتحم بهموم الناس، فهو انتقل لحزأية أعلى وأصبح "ثقافة كاملة" لذلك ففؤاد حداد استطاع أن يعبر لهذا الأمر دون تقديم أية تنازلات، ودون أن يقوم بمواءمات سياسية، ودن أن يتنازل عن مبادئه، فهو لم يفعل هذه الأمور، بل بالعكس انتصر لكتاباته التي أحبها.

هموم الناس

ينتقل حديث سراج لجزئية أخرى إذ يقول: "رغم أن حداد من جيل الرواد، إلا إنه قد سبقه رواد آخرون فنحن هنا نتحدث عن شعر العامية المصري، الذي كان موجودًا بأشكال مختلفة، وغير معترف به، فنحن في مصر كنا منذ فترة قريبة، ندرسه في مدارسنا باعتباره جزء من الأدب الشعبي، فحداد كان له ميزة لأنه التحم بهموم الناس وقضاياهم، فصار أكثر حركة بينهم، فهو لم يهادن أحدا بل بالعكس فقد التحم بهموم الناس ووقف في صفهم طوال حياته، فالناس حين بدأوا الاهتمام بشعر العامية اهتموا به في فترة ظهور حركة الشعر الحديث، ومن هنا أصبح هؤلاء الشعراء مثل صلاح چاهين، وفؤاد حداد، الأبنودي، وأحمد فؤاد نجم، هم رواد شعر العامية الحديث.

شعراء مجددون

وهذه الريادة أتت من أن كل منهم ذهب إلى منطقة لم يذهب إليها أحد من قبل، فطريقة تعامل فؤاد حداد مع أصحاب الحرف والفنون، قام بها من قبل شعراء الديوان، كنوع من التجديد، حين كتبوا عن الكواء وعابر السبيل، لكن عندما ننظر إلى شعر العامية، فهذا الأمر لم يكن موجود، وبالإضافة إلى ذلك فمصر خلال فترة من الفترات، هيمن عليها مدرسة الشكل، فقد كانت حاضنة لهذه المدرسة عند ابن سناء الملك، وابن نباتة المصري وهؤلاء الشعراء، وبعد ذلك كان هناك تمسك شديد بالشكل، لكن عندما جاء فؤاد حداد، وصلاح چاهين كسروا بدورهم مسألة الشكل، وهذا الأمر كان نوعًا من التجديد، لكن انصياع بيرم التونسي وشعراء الزجل للشكل ليس معناه أنهم شعراء غير مجددين، لكنهم رأوا هذا القالب فجددوا في الموضوع وفي تقنيات الأداء لكنهم لم يقدروا أن يجددوا على مستوى الشكل.

 الشاعر أحمد سراج