الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمود بكري يكتب : معركة الوعي "11"

محمود بكري
محمود بكري

إن تقدم ونهوض الدول يرتبط بشكل كبير بمستوى "الوعي" لدى شعوبها ، فهو يُعبر عن حالة يكون فيها العقل في إدراك تام للتجارب والمتغيرات المحيطة، وبالتالي يصبح للفرد القدرة على تكوين موقف محدد تجاه الواقع الذي يعيشه، والوعي بهذا المعنى عكس الغفلة ، والتي تعني السلبية في التعامل بعيدًا عن استخدام العقل والمنطق في تبني المواقف، والغفلة هنا قد تكون ناتجة عن التعصب أو الأمية.
 

هذا المفهوم للوعي ، الذي يشير إلى امتلاك الإنسان للعلوم والثقافة والمركز الاجتماعي والسياسي ، لا يمثل الجانب الأساسي، وإنما يجب أن يقترن كل ذلك بأخلاقيات وقيم سامية وذوق وحسن اختيار ومعرفة عميقة لمعنى الجمال ، لأن إغفال هذه المعاني يعني إلغاء لجانب مهم في الإدراك العقلي للمتغيرات المحيطة ، وهذا يأتي في حالات التعصب وغيرها.

وفي ضوء ذلك ، يمكن القول إنه على الرغم من تعدد أنواع الوعي "السياسي، الاجتماعي، القانوني ، الثقافي ، .. " ، إلا أن أهمها وأخطرها "الوعي الذاتي أو السلوكي" الذي يكتسبه الفرد منذ طفولته المبكرة ، وخلال نوعية تنشئته الاجتماعية، وتأثره بأوامر وتوجيهات والديه، واكتسابه القيم فيما يخص الخير والشر، والحلال والحرام، والحق والباطل، والعدل والظلم؛ وهذه القيم تُشّكل سُلطة داخلية مستمرة حتى في غياب والديه، وبعدما يبلغ مراحل متقدمة من عمره، فالفرد يتلقى ثقافته ويتكون وعيه خلال الجماعات التي يرتبط بها، ومن أهمها وأساسها " الأسرة".   
 

وللأسف، فعلى الرغم من توافر نسب مقبولة من الوعي المعرفي لدى شريحة من أفراد المجتمع، إلا أن الوعي السلوكي والقيمي لا يزال لم يتحقق مقابل هذا الوعي المعرفي ، فمجتمعاتنا مليئة بسلوكيات سيئة وشاذة، منها على سبيل المثال وليس الحصر: عدم احترام الآخر أو تقدير الكبير، عدم الاهتمام بمنشآت الدولة وإهمالها بل وإفسادها والتعامل معها على أنها ملك للدولة وليست ملكا للمواطن، التعدي على المال العام، أنماط الاستهلاك غير المحسوبة والمبالغ فيها، إلقاء القمامة في الشوارع العامة وفي غير الأماكن المخصصة لها، عدم احترام الأنظمة العامة وخصوصيات الأفراد، تصدر اليوتيوبرز ومطربي المهرجانات المشهد العام واقتداء بعض الشباب بهم، التقليد الأعمى لكل ما هو غربي حتى لو لم يناسب عاداتنا وقيمنا، التوثيق الصوتي والمرئي للجرائم وأعمال العنف ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إطلاق الشائعات والأفكار الشاذة، التهجم على بعض الرموز الوطنية، إلقاء التهم دون أدلة أو براهين، انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والإدمان، اللامبالاة، انحدار الذوق العام ... كل هذه السلوكيات وغيرها تؤكد أن هناك خللًا قويًا في مستوى "الوعي السلوكي" الذي يؤثر في نمو المنظومة الاجتماعية والوعي العام، بل ويؤثر أيضًا في الوطن واستقراره ومقدراته.

فالوعي السلوكي مطلب وطني له تأثيره القوي في المنظومة الأمنية والاجتماعية والصحية والأخلاقية، ولا يجب إغفاله ونحن نخوض غمار معركة الوعي وتعزيز الانتماء الوطني، ولابد من تكثيف إطلاق الحملات التوعوية التخصصية الموجهة للآباء والأمهات وللشباب أيضًا، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المختلفة، والمدارس والجامعات، والمؤسسات الدينية والثقافية، وكافة الجهات المعنية، لضمان الوصول إلى مختلف الفئات التي لا تدرك أثر انعدام الوعي السلوكي على الوطن ومقدراته.
 

وختامًا ، وفي ذات السياق ، أود أن أشيد بجهود نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي في هذا الشأن ، والتي أكدت أن الوعي والتغيير السلوكي التحدي الأكبر لنا، وأن الوزارة تعمل على 12 قضية تمثل القوى الناعمة لمصر منها : قضايا النظافة، مجابهة مشكلة التعاطي والإدمان، الاهتمام بذوي الهمم، وذلك من خلال إطلاق حملات، من أمثلتها حملة "بالوعي مصر بتتغير للأفضل".