الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمود بكري يكتب: معركة الوعي (13)

محمود بكري
محمود بكري

ما زلت في مرحلة انبهار لا مثيل له، لا تنقطع ولن تنقطع منذ متابعتي لاحتفالية الدولة المصرية لإحياء "طريق الكباش" الفرعوني بمدينة الأقصر، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وحتى لحظة كتابة هذا المقال، وظني أن هذه الحالة التي أشعر بها يشاركني فيها الملايين في مصر والعالم العربي وحول العالم ، فهو حدث غير مسبوق حين استرجع تفاصيله ، يحكي عن حضارة شعب بأكمله ، ويستنطق العالم إعجابًا.
 
هذا الحدث، ومن قبله "رحلة المومياوات الملكية"، تحد واختبار جديد للدولة المصرية، التي أثبتت للعالم أننا مصر العزة والكرامة والتاريخ والصمود والتحدي صانعة المعجزات.
 
لا شك أن هذا الحدث الأسطوري العالمي سيضع مدينة الأقصر على خارطة السياحة العالمية مرة أخرى ، وتقديمها للعالم كأكبر متحف مفتوح في العالم ... ولكني أنظر إلى الحدث وأهميته من منظور آخر ، لا يقل أهمية ، وهو منظور "الوعي "، فالرئيس السيسي يقدم لنا كل يوم أفكار ورؤى جديدة في معركة الوطن "معركة الوعي"، وهذه المرة تمثلت الفكرة في ضرورة تنمية الوعي الأثري والسياحي لدى المجتمع المصري، بهدف حماية الآثار والتراث من العبث بها، كونه مسئولية إنسانية في المقام الأول ، ويعود نفعها على المجتمع بأسره.
 
فإذا أرادت أمة أن تحافظ على تراثها الأثري، فلن تجد أفضل من الوعي الأثري سياجاً يحتضن هذا التراث، وكم يحتاج هذا التراث الأثري ويتطلع إلى هذا الوعي . ويعني الوعي الأثري في أبسط كلمات "إدراكاً حقيقياً لمعنى التراث وأهميته وقيمته"، وهو من إنجاز الأجداد القدماء. ويفتح هذا الإدراك كل السبل أمام العناية والمحافظة على هذا التراث، ومن ثم يتبنى هذا الوعي الأثري على مستوى الجماهير كل موجبات البحث والاهتمام بهذا التراث الأثري المعروف.
 
ويعتبر الوعي الأثري- عندما ينتشر على مستوى الجماهير العريضة من أبناء الشعب- خير تعبير بالفعل عن مبلغ ما وصل إليه التحضر عند الشعب. وخير أمة أو خير شعب هو الذي يمتلك الوعي الأثري، ويقدر تراث الأجداد، ولا يفرط فيه أبداً. وخير أمة أو خير شعب متحضر هو الذي يحافظ على هذه الثروة الأثرية، ويعكف على دراستها، وإتاحة الفرصة للآخرين للتعرف على قيمتها من وجهة النظر الحضارية.
 
ولا يبلغ الشعب هذه المرتبة من الوعي من غير أن يعي تماماً أن من لا ماضي له لا خير في حاضر له. بل ويجب أن تبقى جذور الحضارات القديمة قوية ثابتة ونابضة بالحيوية في الأرض الطيبة التي نبتت فيها. ومن غير الوعي الأثري "الذي يجسد معني المحافظة على الجذور الحضارية" يغيب عن الشعب فهم الحقيقة التي تقول إن صياغة وبناء الحاضر لا يمكن أن تنبني إلا على أساس هذه القاعدة الحضارية الراسخة العريقة.
  
وفي غيبة الوعي الأثري، كم تعرضت الثروة الأثرية في بلدنا للسلب والنهب أو التدمير والتخريب. وفي غيبة الوعي الأثري تمتد الأيدي العابثة التي تنهب أو تخرب، ولا هم لها غير الهدف المتجرد من كل دواعي الأمانة والشرف. وسواء أكان الهدف الحصول على التحف الأثرية التي تتجمل بها القصور أو المتاحف العالمية، أم كان الهدف الحصول على التحف الأثرية التي تتحقق بها مكاسب كبيرة ، فإن الأيدي المخربة في الحالتين تنهب وتهرب وتدمر وتخرب في غيبة الوعي الأثري و إغفال القيمة الحقيقية للتراث .
 
وعلى صعيد المسئولية، لا يمكن لجهة معينة أن تتحمل وحدها مسئولية نشر الوعي الأثري. والأولى أن تشترك في تحمل هذه المسئولية جهات متعددة مثل ، وزارة الثقافة، وزارة السياحة والآثار، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الأوقاف، ووزارة الشباب، والمؤسسات الإعلامية ، ومنظمات المجتمع المدني. وينبغي أن يتألف مجلس متخصص للتنسيق لكي يحسن توظيف كل شريك في هذه المسئولية التوظيف الأنسب لبث روح ومنطق التوعية.

 

 وعلى أن يتولى هذا المجلس القيام بما يلي :
- تكليف وتوجيه وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة بالبث الذي يعالج ويعبر عن الخلفية الحضارية القديمة، والذي يضع الإنسان المصري الذي أبدع التراث الحضاري المادي في مكانته العالية المرموقة.
- توسيع دائرة إنشاء المتاحف الإقليمية في المدن الرئيسية وعواصم المحافظات، كما يستحسن الاستمرار في إنشاء بعض المتاحف في بعض المواقع الأثرية المنتخبة. وفي كل الحالات يمكن أن يضم المتحف الإقليمي بعض القطع الأثرية المناسبة في إطار المكان.
- توصية الوزارات المعنية، وزارة التربية والتعليم ، ووزارة التعليم العالي ، لكي تتبنى نشر الوعي الأثري بين الطلاب في المراحل التعليمية الإلزامية والإعدادية والثانوية العامة والفنية ، وكذلك الجامعات والمعاهد العليا .
- تنشيط السياحة الداخلية، والرحلات السياحية العامة والخاصة، ودعم وتكثيف وسائل النقل التي تخدم هذه السياحة إلى المتاحف أو إلى المواقع الأثرية.
- توجيه مراكز الشباب في المدن والأقاليم ومراكز الثقافة والأندية الاجتماعية لتبني الوعي الأثري بين الرواد والأعضاء. ويتعين إقامة ندوات أحياناً، ومحاضرات عامة أحياناً أخرى، يشترك فيها المتخصصون، من أجل نشر الوعي الأثري بين الرواد والمستمعين.