الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معرض العِزة

نهال علام
نهال علام

الكلمات تؤرخ الذكريات، والعبارات تعيد لذهنك سير المُجريات، الكتابة تودِع مشاعرك بين جناح حرفين فيمُر الزمان وتظل الذكرى طازجة كالثمرة الناضجة تتدلى من بين أغصان الماضي، تنتظرك لتقطفها فتبوح لك بما أسكتته زحمة الأيام، وبينما أنت منهمك في البحث عن ذكرياتك ستفاجأ بأن كلماتك هي من كانت تبحث عنك.

ألف يوم في عُمر الزمن.. تساوي زمنًا، خاصةً عندما تمتلئ الأيام بأحداث جِسام لڤيروس كورونا الهُمام، ولا تكون من أصحاب الذاكرة المادية التي تحفر التفاصيل البصرية، فذاكرتك حسية تعتمد على خلاياك الشعورية، هنا تشعر كم أنت مدينًا للقلم الذي دَوّنَ انطباعاتك والورق الذي نقش انفعالاتك.

في الرابع من ديسمبر عام ٢٠١٨ شرفت بزيارة معرض مصر للصناعات الدفاعية في نسخته الأولى EDEX، وبعد مرور ثلاثة أعوام حظيت بذات الشرف وهو حضور المعرض في نسخته الثانية، وأذكر إنني بعد زيارتي الأولى كتبت مقالاً بعنوان " معرض الأمان " بحسب ما شعرت أثناء زيارتي فقد كان الشعور المسيطر عليّ شعور الأمان، لذا عندما عدت لكلماتي وجدت اختلافاً كبيراً بين ما سطّرته في ذلك اليوم، وما أستقر في نفسي لأسطّره اليوم.

شعرت يومِها بعدم التصديق لما رأيته، فمصر بعد سبع سنوات عجاف مرت عليها بما تحمله من طوايا الوجع وضربات الغدر المفجعة بين الحين والآخر تستطيع أن تنظم معرضاً للسلاح، كما أطلق عليه رجل الشارع في هذا الوقت، ربما بدافع أن يؤصل الشعور بالاحتماء ويؤكد على فكرة الأمن والأمان.

الأمان الذي شعرت به في ذلك الوقت، لأن القيادة السياسية استطاعت إقناع الدول الغربية بأن تمنحنا ثقة وإن كانت رهن الاختبار، وتشارك في معرض محل الأنظار، انبهرت بالتواجد الدولي في المعرض، طوال فترة تواجدي في أروقته داومت على الابتسام في وجه جميع المشاركين الأجانب وكأني أبعث إليهم رسالة عرفان لتواجدهم على أرض الوطن في تلك اللحظات العصيبة.

وطن يخضع لعدة جراحات دقيقة في آنٍ واحد، وإن كان الطبيب ماهرا وذا رؤية مصيرية ثاقبة وشخصية قيادية استثنائية إلا أن ذلك لا يمنع قلق أبناء المريض، ففي ذلك العام كانت حرب مصر على الإرهاب في أوجها والعملية الشاملة سيناء على أشدها، أعداء الوطن داخلياً متربصون وخارجياً متآمرون، مشروعات التنمية والتعمير منتشرة في كل ربوع الوطن ولكنها في ذلك الوقت كالزهرة التى لم يحن وقت قطافِها، في ٢٠١٨  كانت مِصر مُحاطة بيد تبني وأخرى تحمل السلاح لتتعافى وتنهض.

للمرة الأولى عرفت مساهمة مصانع الإنتاج الحربي في مجالات الحياة المدنية، ودور الهيئة العربية للتصنيع في توفير مستلزمات قد تكون أساسية في حياتنا اليومية. 

رأيت بعيني إنتاج معدات ثقيلة تحمل شعار صنع في مِصر، وصناعات عالية التقنية من اختراع العقول المصرية وصنعت بأياديها.

جاء تنظيم المعرض الأول بذاته مبهرًا ولمصر باع وذراع في القدرة على تنظيم المعارض ولكن هذا المعرض له طبيعة خاصة جداً فالمعروضات من حيث شكلها وحجمها وطبيعة الحضور مختلفة عن آي حدث آخر، ولكن مصر أبدعت كما عادتها في آي أمر تقرر أن تهبه الصفة المصرية، فجاء المعرض مصرياً عالمياً مُشرفاً.

عندما تلقيت دعوة حضور المعرض في نسخته الثانية والذي أقيم في التاسع والعشرين من شهر نوڤمبر وحتى الثاني من ديسمبر بعد ثلاث سنوات من النسخة الأولى والذي تم تأجيله لعام بسبب ظروف كورونا التى عرقلت مسيرة كل المشروعات البشرية والخطط المستقبلية، تذكرت المشاعر التى ملأتني في الدورة الأولى ولكنها لم تراودني في الثانية.

ذهبت بلا مشاعر (الخوف) التي انتابتني، خطوت بخطوات واثقة لا يؤرجحها (القلق) بأن يتم الأمر على خير، دخلت جنبات المعرض بلا (شك) في روعة التنظيم، تجولت في أروقته دون نظرات ( الامتنان) للعارضين الدوليين لقبولِهم المشاركة في معرض مِصر العظيم فتلك المرة شرف المُشاركة لهم وليس لنا، ارتديت ملابسي وتزينت بعزة مصريتي ومزجت يقيني بعطري أنني أستعد لحدثٍ مهيب، قد يكون أصابني الغرور ولكن في عشق الوطن قلبي معذور، وتلك السنوات شهدت نقلة نوعية للمواطن المغدور بفعل الخونة والإرهاب؛ للمواطن المسرور بفضل التنمية والتعمير.

بدأت زيارتي بالصالتين الدوليتين واحد واثنتين ثم توجهت لصالة 3 وهي الصالة المصرية ذات الهُوية الفرعونية، فنحن أول من اخترع العجلة الحربية، وها نحن اليوم نقدم الطائرة الاستطلاعية بأيادٍ مصرية لنمضي بعجلة التاريخ حتى أعتاب مستقبل مشرق قريب.

الطائرة ( نوت) أو آلهة السماء طائرة بدون طيار متعددة الأغراض يمكنها تنفيذ العديد من المهام المختلفة، وعلى بعد عدة أمتار كان هناك نموذج لأول وأحدث مركز لصيانة وعمرة الطائرات الهليكوبتر في الشرق الأوسط.

اليوم ننطلق بسرعة السنوات الضوئية في ظل الإدارة الحالية، لنحقق النتائج التي تليق بمكانة أم الدنيا وتلك رغبة سيادية لإبن بار بتلك الأم، أقسَم على الحِفاظ عليها وما حنث بيمينه لحظة.

على أعتاب بوابات المعرض في لحظة الخروج التي تصادفت مع لحظة الغروب، نظرت مليًا للمكان النابض بالعزة والذي تفترشه الدبابات والسيارات المموهة تقبع في سكون الأسد الهادئ حتى يقترب منه أعداؤه أو من يهدد صفاءه فيفترسه قبل أن يرتد لعدوه بصره، وتساءلت في نفسي عن الدورة القادمة للمعرض المقررة في عام  2023 كيف ستبدو مِصر في هذا الوقت؟

وعلى الرغم من أنه لا مجال للسؤال لأن الجواب محله العنوان، فإذا كان العنوان إرادة فالجواب العزة والحداثة وخاصةً أن الدرب هو الكرامة، وتلك سِكة السلامة التى تضمن لمصر وصولًا آمنًا للجمهورية الجديدة وها هي كم تبدو قريبة ...