الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى وفاته الـ29.. جمال الغيطاني يكتب عن يحيى حقي | نوستالجيا

صدى البلد

تمر اليوم ذكرى وفاة الكاتب الكبير يحيى حقي، والذي رحل عن عالمنا في التاسع من ديسمبر سنة ١٩٩٢. وبمناسبة ذكرى وفاته نعرض ما كتبه الأديب الراحل الأستاذ جمال الغيطاني عن يحيى حقي في مجلة "أدب ونقد" في أغسطس ١٩٩١، إذ حمل المقال عنوان "يحيى حقي خراط العاج" وفيه تحدث الغيطاني عن عطائه وكيف استقبله أدبيًا حينما كان لا يزال في بداية مشواره الأدبي والروائي.

 

نص المقال

معرض قاهری عتيق للعطور الشرقية المستقرة في قوارير زجاجية مطعمة. أسواق مظللة. تفوح بأريج الأعشاب النادرة المداوية، والتحف النمنة القادمة من فج إنساني. خراط ينحنى فوق آلته اليدوية يخرط العاج، ويشكل أخشاب الصندل حبات متساوية. مستديرة، تنتظم في سبح تستقر في أيدى الهائمين.. هذا ما يتداعى إلى ذهني إذ يذكر اسم یحیی حقى على مسمع مني. هذا الفنان الرقيق، المتوهج، الحى، الإنساني، لحسن حظى أنني عرفته منذ بداياتي الأولى، ربما كان ذلك في الخامسة عشر من عمرى أو السادسة عشر، أرسلت إليه قصصا ورسائل إلی ۲۷ عبد الخالق ثروت. عنوان مكتبة عندما كان يرأس تحرر "المجلة"، وتلقيت عليها كلها ردودا، مازلت احتفظ ببعضها كوثائق نادرة. كان يبدي رأيه في صبر، ويقوم مايقرأه، ينقده مترفقا، والأهم أنه يخط في رسالة طويلة مفصلة ويرسلها بنفسه إلى مبتدئ، مغمور. مازال بعد دون بداية الطريق. علق بذهني من رسائله الأولى إلى، حرصه على تنبيهي إلى اللغة، وإلى أهمية اتقانها. وإلى القراءة بعمق. إلى المعاناة في التكوين. فيما بعد اكتشفت أن يحيى حقي لم يكن يهمل رسالة واحدة تصله. كان يرد على كل منها بنفسه، بخطه، وبعد مرور سنوات عديدة أصبحت مشرفًا على صفحة أخبار الأدب. وجدت نفسي عاجزًا تماما عن الاقتداء به في هذه النقطة، فعندما نقلت إلى المنيا عام 1965 وأمضيت سنة صعبة هناك، كنت متأثرا جدا برؤية يحيى حتى للصعيد في كتابة الرائع (خليها على الله). وأذكر أنه كتب إلي رسالة ينصحنى فيها  ألا أتعمد الرؤية، وأن أكون تلقائيا تماما. ألا أعيش لحظة أو تجربة بقصد الكتابة عنها. وقد وضعت نصب عينى هذه النصيحة طوال عمرى، خاصة عندما اتجهت الى الجبهة المصرية للعمل كمراسل حربي خلال حرب الاستنزاف وحرب أکتوبر قرأت يحيى حقى عدة مرات خلال الثلاثين عاما الماضية، وعشقت «دماء وطين» و«خليها على الله، وأرى أن قـصص «دماء طين» التي كتبت في الثلاثينيـات هي نقطة التحول الحقيقة في تاريخ القصة القصيرة العربية، وماتزال قصص هذه المجموعة متقدمة فنيا، وفيها من الحداثة والأصالة ما يجعلها تجاوز الزمن باستمرار.


بعد أن بدأ صدور الأعمال الكاملة للأستاذ يحيى حقى من الهيئة المصرية العامة للكتاب. أتيح لنا أن نقرأ مقالاته الصحفية التي جمعها وبوبها الأستاذ فؤاد دوارة والذي أسدى خدمة كبيرة للمكتبة العربية بهذا العمل، طوال عمر الأستاذ يحيى حقى وهو ينشر في دوريات غيـر واسـعـة الانتشار مثل جريدة التعاون. ويعتبر الملحق الأدبي للمساء خلال فترة إشراف الأديب عبد الفتاح الجمل أوسع المنابر انتشارا التي أطل من فوقها يحيى حقى على القراء. عندما قرأت هذه المقالات مجموعة، متصلة، فوجئت بمستواها الرفيع، ليست مجرد مقالات صحفية سريعة، إنما هي قطع نادرة من النثر الأدبى الرفيع، بنفس العناية التي يخرط بهـا ألفاظه وعباراته في القصص القصيرة، صاغ مقالاته، بل إت بعضها يرقى إلى مستوى الإبداع الأدبي الجميل. تعلمت أن أبذل العناية نفسها في كل ما أكتب. أطال الله عنر أستاذنا الكبير وأبقاه في حياتنا مصدرا للسيرة العطرة، والمُثل الجميلة.