الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل التكاليف الشرعية شاقة على المسلمين وتعطلهم عن الحياة؟ .. علي جمعة يرد

علي جمعة
علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن مُطعم بن عدى والوليد بن المغيرة وأبو جهل ورؤوس الكفر يقولون للنبى ﷺ يا محمد -وهم لم يروا فيه إلا يتيم أبى طالب ما رأوا نور النبوة وإلا لاتبعوه وآمنوا به وخرجوا من ضلالهم، كما لم ير نور النبوة أولئك الذين لم يصدقوا به إلى يوم الدين- يا محمد : تترك دين آبائك إنك لشقى.

هل التكاليف الشرعية شاقة على المسلمين وتعطلهم عن الحياة؟

وتابع علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: قال ﷺ: ما أنا بشقى إنما أرسلنى الله رحمة للعالمين، قالوا : إذن تشقى ، قال ﷺ: لا أشقى وإنما أرسلنى الله رحمة للعالمين, قالوا: يا محمد إنك شقى، فأنزل الله سبحانه وتعالى كلامه يتلى فى المحاريب إلى يوم الدين – {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 1 - 8] .

وبين علي جمعة : آيات تبين دعوة المسلم فى العالمين، وترد على مزاعم الكافرين إلى يوم الدين، وتخاطب الإنسان فى كل مكان إلى قيام الساعة { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } لأن فيه سعادة الدارين، ونبأ من قبلنا وحكم ما بيننا، لا تنتهى عجائبه ولا يخلقُ من كثرة الرد، فاللهم يا ربنا اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا واجعله ينقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك فهمنا منه مرادك يا أرحم الراحمين.

{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} هى صفة هذا الكتاب فيها رد على كل مزاعم الكافرين إلى يوم الدين؛ فإنهم يدَّعُون مرة أن من آمن بالله ضل الطريق ومن آمن بالله اهتدى، إنما هم الذين ضلوا الطريق يريدون فساداً وعلواً فى الأرض ويأبى الله إلا أن يتم نوره، يقولون مرة إن التكاليف التى تكلفون بها أنفسكم، وكأننا نكلف أنفسنا من عند أنفسنا ومن هوى أنفسنا، وما كلفنا أنفسنا وإنما قلنا {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.

وأكمل علي جمعة: يقولون أن هذه التكاليف شاقة على البشر تعطلكم عن أن تنطلقوا فى الأرض ! هى تعطلنا عن الفساد وتدفعنا إلى الرحمة بالعباد، هى تحجزُنا عن النار يوم التناد، هى سعادة فى الدينا وسعادة فى الآخرة، أن يكون قلب المؤمن دافئاً وليس بحائر؛ قلب يعرف من أين نحن وماذا نفعل هنا وإلى أى مصير سنكون، يكفى هذا للخروج من النار التى دخلوا فيها في الدنيا قبل الآخرة { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } ، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78] نعم إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } [الشرح: 5 - 8].

وأكد: نعم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] ، { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } لكن أنزلناه { تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى } – يخشى ماذا ؟ يخشى تنزيلاً، فنصبت هذه الكلمة لتعلقها بهذه الحالة، حالة الخشية، يخشى تنزيلاً، قد أنزل ممن خلق الأرض والسماوات العلا -عبر عن السماوات بالعلا-، ليظهر لعباده أجمعين مؤمنهم وكافرهم أن الذى خلق هذه السموات أعلى منها وأنه على كل شئ قدير {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}، أو أن تتعلق كلمة {تَنْزِيلًا} بأنزلنا " أنزلنا تنزيلاً " لأن معناها أنزلناه هدى للناس تنزيلاً، ويكون المفعول المطلق فى لغة العرب تأكيداً حقيقياً يُخرج الكلام عن حد المجاز؛ ولا يجوز بعدئـذٍ أن يكون هذا التنزيل مجازاً من أى وجه كان.

وأوضح: ربنا سبحانه وتعالى يبين لنا مصدر هذا التنزيل { تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى } جل جلال الله هو الذى قهر السماوات والأرض، وقهر عباده بما فيهم أعظم مخلوقاته العرش { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى } والله سبحانه وتعالى عليم بذات الصدور, عليم بالقول إذا جهرت به، عليم بالسر إذا أسررته، عليم بالباطن حتى لو لم تفكر فيه، الظاهر والسر والأخفى من السر، فما بالك بما قد أبلغناه أو بما قد قلناه، ورب الكلمة يتكلم بها الرجل لا يلقى إليها بالا تهوى به سبعين خريفاً فى جهنم، فاللهم سلم سلم ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا بما صدر من الجاهلين واهدهم إليك يا رب العالمين .

وشدد علي جمعة أن وصف الله سبحانه وتعالى القرآن فى هذه الآيات بأنه الكتاب الذى سيحقق سعادة الناس فى الدنيا دون شقائهم، على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة وعلى مستوى الأمة، ووصف الله سبحانه وتعالى القرآن بأنه تذكرة {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }، ووصف الله تعالى كتابه هذا بأنه من عند الله، وكفاك أن يكون من عند الله لأجل أن تسلم له قيادك، وأن تتدبر فيه لتحصل مراد ربك منك.

كما وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه مطلع عليك؛ فى ظاهرك وفى باطنك فى نواياك وفى شهواتك وفى رغباتك وفى سلوكك وفى أعمالك، فاتقِ الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن، واتقِ الله فإن الله سبحانه وتعالى أهل التقوى، ووصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه قدير على كل شئ ، وأنه متعال عن كل شئ ، وأنه قد استوى على العرش الذى هو أعظم المخلوقات، فما بالك بما هو أدون من ذلك.

ووصف الله سبحانه نفسه بأنه على كل شئ قدير وبالإجابة جدير، فإذا أردت أن تلجأ فالجأ إلى الله, وإذا أردت أن تستعيذ فاستعذ بالله، وإذا أردت أن ترضى فارض عن الله، وإذا أردت أن تتوكل فتوكل على الله، وإذا أردت أن تنال سعادة الدنيا والآخرة فعليك بالله.