يطلق على الأماكن داخل أسوار كل جامعة (الحرم الجامعي)، ويشير هذا المسمى إلى قدسية وخصوصية هذه المنشآة، لما لها من أهمية خاصة فى تلقى العلوم والتحصيل والبحث العلمي..
وجاءت التسمية بالحرم أيضا إلي انه يحرم علي غير المنتسبين إلي الجامعة الدخول إليه، كما يحرم التصرف داخله بما يخالف تقاليد واعراف الجامعة كمنشأة للتعلم والتحصيل والبحث ونقل الخبرات.
لقد ظل الحرم الجامعي عقودً تحكمه قواعد وسلوكيات أصيله في مجال التعامل بين الأساتذة والطلاب، وبين الطلاب انفسهم، فكلهم طالبي علم، حيث لا تنمر ولا تحرش ولا بلطجة بين طلاب العلم، حتى عن ملابسه من المفترض والضروري أن تكون بسيطة ملائمة لمجتمع الجامعة وقدسية هذا المكان.
وعن النقاش مع الأساتذة والرواد، وفي مجال الثقافة لابد أن يكونوا فى طليعة القراء والباحثين عن الإبداع، وفي مجال العمل الوطني فهم طليعة المجتمع اندماجا وانشغالا وتأثرا ومتابعه لملفات العمل الوطني، وهم اهل التسابق والفوز، وهم التطوع لخدمة المجتمع المحيط، وهم القدوة لمن هم اصغر منهم ،لانهم خيرة شباب الوطن وحاملي رايته، وهم المتجولون في ربوع الوطن خدمة واستكشافا وترويجا لمعالمه وعاداته وتقاليده، وهم اهل الحراك التعليمي والبحثي والثقافي والوطني الفعال.
وظلت هذه هي أعراف الحرم الجامعي لسنوات طوال، لا يخالفها احد والكل يندمج فيها حتي صارت حزمة أخلاقية لمجتمع الجامعة ينصهر فيها الكل بمجرد دخوله مجتمع الحرم الجامعي الوقور.
فجأة وبعد حراك يناير ٢٠١١ تم إلغاء الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية ،وتم استبداله بحراس من شركات خاصه للأمن والحراسة ولكنهم مدنيون إداريون، مما افلت من قبضته البعض من غير المنتمين لأسرة الجامعة، ومن هنا بدأت بعض السلوكيات السلبية تظهر داخل الحرم الجامعي منها، التحرش والمعاكسات، السرقات الفردية، دخول جماعات للبلطجة وفرض الرأي ،وظهر بيزنس الحرم الجامعي من بيع ملابس وأكسسوارات وأجهزة محمول ودخول الغرباء علي الحرم وأهله.
كما انفلتت بعض الظواهر مثل ارتداء الطلاب والطالبات ملابس ينقصها الذوق والبساطة والحشمة، وظهرت الوان المكياج علي أوجه الطالبات وكذا امتلأت اشكال الطالبات بالإكسسوارات المبالغ فيها، واختلفت العلاقة بين الطلاب وأساتذتهم، وضعفت العملية التعليمية، واختفي الطلاب من المكتبات، وبعدوا عن مضمار الثقافة والتحصيل، وغابت هموم الوطن وأهله عن اهتمام طلاب الجامعات، واستبدل الطلاب طموحات التحصيل والبحث والتقدم العلمي بأحلام البيزنس والثراء السريع.
وظهر التطرف بين الطلاب في النقاش ووجهات النظر بل وحتي المشاعر وصلت الي اقصي درجات العنف وهو القتل، ان تقبليني حبيبا فعليكي اللعنة ولكي القتل والتنكيل، كل ذلك داخل اسوار الجامعة.
وظهرت اتهامات الطلاب لأساتذتهم وظهرت السرقات العلمية واصبح مجتمع الجامعة بلا اعراف او ضوابط او تقاليد، يشبه في ذلك خارج الحرم بعشوائيته وعدم انضباطه.
وأمام هذا التغير الفاضح بين الحرم الجامعي قديما وحاليا، يظهر جليا اننا بحاجة الي مراجعة النفس ورصد كل غريب علي الحرم من سلوك او تصرف ،واسترجاع كل عريق يليق بهيبة الجامعات وحرمها، وهذه مسئوليه الجامعات أساتذة وطلابا، ومسئولية الأسر الجامعية ،ورواد العمل الجامعي، ووزارة التعليم العالي، ووزارات الشباب والثقافة، ورجال الدين والأندية والأحزاب والاعلام أيضا.
ولا نعفي خبراء التربية والسلوك من مسئوليتهم تجاه ذلك ، بل هي مسئولية مجتمع، حتي يعود للحرم الجامعي قدسيته ووقاره وللعملية التعليمية جديتها وبريقها وللطلاب رونقهم وريادتهم وللأساتذة احترامهم ودورهم وللمنشآت الجامعية حصانتها الأخلاقية ،في مجتمع ينشد غده المشرق، في بلد هي احلي بلدان الدنيا، وشعب هو اطيب شعوب الأرض، وشباب هم ضمير الامة وشعلة نشاطها وأدوات تقدمها، وتحيا دوما مصر.