الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطيب المسجد النبوي: شبكات التواصل الاجتماعي ساعدت على التقصير في حق الله

خطيب المسجد النبوي
خطيب المسجد النبوي

قال الشيخ الدكتور عبد الباري بن عواض الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، إن الإسلام أعطى كل ذي حق حقه ،  وجعل للجلوس على الطرقات آداب تشمل ادب الطريق وأدب الاجتماع وأدب الحق المشترك.

أعطى كل ذي حق حقه

وأوضح " الثبيتي" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة،  أن من ضروب الجلوس على الطرقات المجالس الافتراضية عبر شبكات التواصل الاجتماعية التي برزت في عصرنا الحاضر ،  وقد تجاوزت الحدود ،  واخترقت الحصون ،  وتفجّر تأثيرها ،  لكل أناس فيها مشربهم ،  تستقى منها الأخبار ،  وفي ساحاتها يتواصلون ،  وفي ردهات غرفها يتداول المتحاورون الأفكار .

وتابع:  وتوطّدت علاقة بعضهم بهذه الوسائط حتى بلغت حدّ الإدمان ،  بل يشعر أنه لا وجود له إلا بها ،  ولا يطيب عيشه إلا من خلالها ،  فنسي المرء ذاته ،  وفترت الوشائج الاجتماعية والروابط الأسرية ،  والأنكى التقصير في حقّ الخالق مسدي النعم ،  قال الله تعالى : " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أولئك هُمُ الْفَاسِقُونَ ".

مجالس خير

وأضاف أن في هذه الوسائط الشبكية مجالس خير وعلم تثري العقل ،  وتغذي الروح ،  وتنمي المعرفة ،  أقبل عليها العقلاء فزاد إيمانهم ،  وسمت أخلاقهم وارتقت ثقافتهم ،  وفيها مجالس تزعزع العقيدة وتضعف الإيمان وتنتهك المحرمات وتلوث الأخلاق وتدنس الفضيلة والحشمة ،  لا حصر لصورها ولا يتسع المقام لعدّها .

ونبه إلى أن من صور ذلك الاعتداء على حرمة الآخرين ،  وتتبّع عوراتهم ،  والتشهير بأعراضهم والإٍساءة لهم بالتصوير وغيره ،  قال صلى الله عليه وسلم : " فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ،  كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"، ، محذراً من مخاطر المجالس الافتراضية التي تُبثُّ عبر منصّات التواصل الاجتماعي ،  وما تشكّله من خطر على أفكار مرتاديها .

وواصل:  والإيقاع بالناشئة عبر أساليب تزرع الفتنة والعصبية الجاهلية ،  والإلحاد ،  وتنشر الأهواء المظللة ،  وتنشر الفكر المنحرف ،  والسلوك الشاذّ ،  وتستهدف العقيدة ،  وتفتّت لحمة المجتمع ،  والترابط الأسري، مشيرًا في بيان مساوئ هذه المجالس الافتراضية أنها تفضي إلى كشف أسرار البيوت ،  والمظاهرة بالخصوصية والمباهرة بالنعم ،  والمباهاة بمركوب أو مطعوم أو مشروب أو ملبوس.

الإيقاع بالناشئة

واستطرد :  ونشر حياتهم الشخصية سعياً وراء سراب الشهرة ،  وطلباً لإثارة مجردة من القم ،  مسلوبة البادئ ،  ولا يزال المرء في عافية وفسحة من دينه إن هو ستر على نفسه حتى يجاهر بالمعصية ،  ومنها إثارة العصبية الجاهلية ،  والتنقّص من الشعوب والقبائل ،  وهذا ينافي معاني الأخوة ،  ويفتّت لحمة الوطن ،  ويشحن النفوس بالبغضاء ،  ويثير العداوات ،  قال الله تعالى : " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ".

وبين أن منها ما يفضي إلى إشاعة مغرضة ،  أو يفضي إلى نشر الفاحشة بين الناس ،  وإظهار المفاسد حتى إن بعضهم ليقصد نقدها ،  وهو يساهم في نشرها من حيث لا يشعر ،  ومنها ما فيه تهييج ضد الأمن والاستقرار ،  وبث الأراجيف والأكاذيب ،  وبث الأخبار المظللة ،  ومنها ما اشتمل على ما ينافي على أحكام الدين كالاختلاط بين الجنسين بالصور المحرمة والفنّ الهابط ،  فهذا كلّه ينافي آداب المجالس ،  ويقع المشارك في هذا المحرم والتعاون على الإثم والعدوان.

إشاعة مغرضة

وحذر من التهاون في التعامل مع هذه الممارسات التي تدور في المجالس الافتراضية قد يوقع في شرّ مستطير من نفخ النار وإضرامها لإيقاظ فتنة نائمة ،  وسنّ سنة سيئة يعمل بها من بعده ،  فلا يزال الإنسان عليه وزرها ووزر من عمل بها في حياته وبعد موته وفي قبره ما زال العمل بها قائماً جيلاً بعد جيل ،  ولا يصرفه من الوزر إلا انقطاع عمل الناس بها .

ولفت إلى أن المتعدي بالذنوب أخطر من القاصر إذ المتعدّي ذرّ صاحبه وسرا إلى غيره سريان النار في الهشيم ،  وأما القاصر فربما انقطع ومات بموته صاحبه ،  ومن هنا تكمن خطورة هذا التقنية عبر وسائل التواصل ،  فالعاقل يحسب لها ألف حساب قبل أن يقول قولاً يفتح به باب شرّ على الناس فيطير في الآفاق.

واستشهد بما قال تعالى : "لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ " ،  وقال جل وعلا : "نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ"، مشيرًا إلى أن من مساوئ هذه الوسائط هدر الأوقات ،  وإضاعة العمر فيما لا طائل فيه ولا ثمرة ترجى ،  هذا إن سلم القلب والعقل والعمر ،  مبيناً أن جميع المصالح تنشأ من الوقت فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه ،  وإن ضيّعه لم يستدركه أبدا .

أهل الاهواء

وشدد على أن الخطر الأدهى من يشارك أهل الغفلة في هذه المجالس من أهل الاهواء والبدع والشبهات ،  بحجة أنه يقارع الفكر بالفكر ،  فما يلبث أن يفتن ويقع في حبائلهم ويألف كلامهم ويستقر في قلبه من الزيغ ما يورده المهالك ،  وقد يصل الحال به أن يتردى في أوحال الكفر من الاستهزاء بآيات الله وإنكار وجود الله حتى يصل به الأمر إلى الإلحاد والعياذ بالله ،  فمن رضي بالجلوس في هذا المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها وينتقص بها من حرمة الدين فهو مشارك لهم ولذا وجب الإعراض عن هذه النوعية من المجالس.

وأفاد بأن هذه المجالس الافتراضية والمنصات المشبوهة تستهدف قلب الأمة وفئة الشباب لسرعة تأثرهم ،  وحماسهم الدافق ،  ويمرّر الخطر عبر مشوّقات تهفو إليها نفوسهم من أعمال تتّسم بالتحدّي ،  وألعاب شبكية من خلالها يتسلّل إلى الشباب الفكر الشاذّ ،  والانحراف في السلوك ،  والإعاقة العقلية.

ونوه بأن المأمول تجاه هذه الممارسات والأفكار الهدّامة التي تروجها المنصّات هو التصدي لها بحملات توعوية وإرشادية تغرس في النفوس مخافة الله ،  وتقوّي الوازع الديني ،  وتعزّز الأخلاق مع هجر الجهات المشبوهة والشركات التي تروج للشرّ من هلال هذه المنصّات.