الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

5.2 تريليون في 2018 إلى 114.4 تريليون بـ2023.. قصة عودة جيش الساموراي الياباني

الجيش الياباني
الجيش الياباني

"الحرب العالمية قادمة لا محالة" .. مقولة أصبحت واقع عند تقييم أوضاع الشأن العالمي، ولا يمكن أن يختلف عليها أي متابع لما يحدث من سباق تسلح عالمي لجيوش الدول والإمبراطوريات التاريخية التي كانت أضلاع أساسية في الحروب العالمية الماضية، وأحدثها محاولة عودة جيش إمبراطورية اليابان، وتلك رؤية لا تحتاج لخبير يفسر له ما وراء الكواليس، فالمعلومات المعلنة فاضحة لكافة الكواليس.

ومع تغيير في تركيبة التحالفات التي كانت أثناء الحروب العالمية، نجد أن هناك سباق تسلح ومحاولة بناء جيوش تلك الدول والإمبراطوريات، حتى دول المحور المنهزم، تخلص من قيود التسلح، وهنا نجد اليابان تعلن عن بداية إحياء جيش إمبراطوريتها القديمة بداية من 2023، وقد سبقها في ذلك ألمانيا التي بدأت بالفعل ببناء قوتها العسكرية .. وهنا نرصد المعلومات لتتضح الصورة كاملة لما يحدث في شرق أسيا جبهة التسلح الجديدة.


تحالف ناتو جديد .. البداية أفضل مع رؤية كوريا الشمالية

ربما تكون الصورة أكثر وضوحا، ويسهل قراءة ما وراء الأحداث عند الإطلاع على المعلومات الجديدة، مع قراءة وفهم التصريحات الأخيرة التي خرجت من كوريا الشمالية، الأسبوع الماضي، والتي تحدثت بوضوح عن أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تشكيل تحالف عسكري على غرار حلف شمال الأطلسي في آسيا.

والتصريحات التي جاءت على لسان وزارة الخارجية الكورية الشمالية في بيان على موقعها الإلكتروني، رسمت خريطة هذا التحالف من خلال واقع تحركات الدول والتي تمثلت في تدريبات عسكرية مشتركة لواشنطن مع اليابان وكوريا الجنوبية، شملت حاملة طائرات أميركية، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من 4 سنوات، وما تلاها من سفر رئيس كوريا الجنوبية لحضور قمة لحلف شمال الأطلسي في إسبانيا،ليكون أول زعيم كوري جنوبي يقوم بذلك.

 

 

المرعب ... عودة جيش الساموراي الياباني بكسر سقف الـ1% في 2023

وبالنظر إلى دول شرق أسيا، نجد أن قوة الهند والباكستان العسكرية، هي نووية منذ فترة طويلة، ثم نجد الصين صاحبة جيش عملاق، والكوريتين تتسلحان منذ فترة ضد بعضهما، فيما بقى الأسد الجريح مكبل بقيود الماضي، حيث ظلت اليابان صاحبة التاريخ العسكري الكبير مع جيوش الساموراي ممنوعة من بناء جيوشها بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا الأمر تغير بعد ميزانية 2023، والتمويل الضخم لإعادة بناء جيش إمبراطورية اليابان العظمى.

وبالنظر إلى الماضي القريب، وتحديدا في 2018، نجد أن مجموع نفقات اليابان المتعلقة بالدفاع في تلك السنة المالية، ما مجموعه 5.2 تريليون ين ياباني فقط، محافظا على مستوى أقل من 1% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الياباني، وهو السقف الذي م تحديده وفرضه من دول الغرب وأمريكا منذ عام 1976، للحيلولة دون أن تصبح اليابان قوة عظمى عسكرية.

ولكن الصدمة الأخيرة، هو ما كشفت عنه اليابان في ميزانية السنة المالية المقبلة بـ2023، والارتفاع التاريخي بالإنفاق العسكري، وذلك بتخصيص 114.4 تريليون ين (863 مليار دولار)، - حوالي 2% من الدخل القومي الياباني - وذلك لتمويل الإنفاق الدفاعي على المنشآت العسكرية والسفن الحربية والسفن الأخرى، في خطوة غير مسبوقة وبالطبع رقم لا يمكن أن يمر دون موافقة واشنطن لمواجهة تحركات الصين وكوريا الشمالية التي يصعب التنبؤ بها.

 

 

أعداء اليابان عبر التاريخ يرسم صورة ناتو أسيا الجديد

صراعات أوروبا لقنت الولايات المتحدة ودول الغرب درسا لا يمكن أن يمر مرور الكرام، حيث أثبتت حرب روسيا وأوكرانيا، وتوترات الصرب وكوسوفو، مقولة أن التاريخ يعيد نفسه، ولذا يجب ألا ننتظر وقوع الأحداث لكي نتحرك، وبالنظر لما يحدث في شرق أسيا، نجد أن العداء الشعبوي التاريخي في تلك المنطقة بين اليابان وما حولها يرفع من احتمالات نشوب حرب قريبة، لذلك يجب أن نستعد.

وبقراءة التاريخ تتضح لنا مقولة كوريا الشمالية عن الناتو الآسيوي الجديد، وصورته الكاملة، سواء في مكوناته، أو في الأطراف المستهدفة به، وهنا وبصوته الأجش، يقول لنا التاريخ أن الصين وروسيا هما أكبر عدوين عبر التاريخ لليابان، بالعودة إلى سنة 1894، نجد تلك الحرب الدموية لليابان مع الصين، ولا يزال الصينيون يتذكرون ضحاياهم الذي وصلوا إلى 35 مليون قتيل وخسائر اقتصادية تجاوزت بسعر اليوم حوالي 600 مليار دولار أمريكي، وهو العداء الذي مازال مهيمن على العلاقة بين البلدين.

وما كادت اليابان تنهي حرب الصين، حتى شرعت في حربها مع روسيا، ففي عام 1904، بدأت المعركة العسكرية بين الإمبراطورية الروسية وإمبراطورية اليابان، بسبب طموحات الدولتين التنافسية في منشوريا وكوريا، وتلك الحروب هي التي كونت ما يعرف بـ"معاداة اليابانية"، كنوع من التمييز العرقي والقومي ضد اليابان، سواء كان من الناحية الثقافية والقومية، وهو الشعور الذي أجج غزوات القوات العسكرية اليابانية بشرق آسيا.

 

وبهذا تكون الصين مع حليفتها روسيا بالإضافة إلى الإبن الشرعي لهما كوريا الشمالية، وبالطبع إيران لازالت في تلك صورة الحلف المضاد لهذا الناتو الجديد، والذي يتكون من اليابان وكوريا الجنوبية، يضاف إليهم تايوان الإبن العاق للصين، وذلك تحت مظلة أمريكية، وضم الهند أو باكستان أمور لن تستغرق وقتا فهما جيشان تحت أهبة الاستعداد.

تايوان هي أوكرانيا الآسيوية والانفجار قد يكون وشيك

وهنا المشهد ينتظر نقطة الانفجار، ومن يقوم بدور أوكرانيا داخل آسيا لتكون نقطة إشعال الحرب، وبالنظر لحالة السكون التي عليها الأوضاع مع كوريا الشمالية وإيران، والاكتفاء بالحروب البادرة معهما، نجد أن تايوان هي الدولة الأكثر جاهزية لتلعب دور أوكرانيا في آسيا.

ففي رد فعل لتدهور العلاقات بين تايوان والصين،أعلن رئيسة تايوان، أن بلاده ستمدد خدمتها العسكرية الإجبارية من أربعة أشهر إلى عام واحد وسط تصاعد التوترات العسكرية مع الصين، وأوضحت الرئيسة تساي إنج ون أنه بموجب الخطط التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2024،سيخضع المجندون لتدريب مكثف بما في ذلك تدريبات الرماية وتعليمات القتال التي تستخدمها القوات الأمريكية.

وتكتمل أجواء الاستعداد للحرب داخل تايوان، مع المخطط لرفع الأجر الشهري لجنود التجنيد النظامي من حوالي 6500 دولار تايواني (211 دولارًا أمريكيًا) إلى 26307 دولارًا تايوانيًا جديدًا(856 دولارًا أمريكيًا)، وتلك التحركات سبقها دخول 71 طائرة نفاثة وطائرة بدون طيار تابعة لسلاح الجو الصيني لمنطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة منذ أسابيع، وهو أكبر توغل تم الإبلاغ عنه حتى الآن، والتي قد تكون الإرهاصات التي تسبق الاشتباك كما حدث مع روسيا وأوكرانيا.

 

جدير بالذكر أن جهود تايوان لتعزيز جاهزية قواتها الدفاعية تسارعت بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي للجزيرة في أغسطس الماضي، فيما أجرت الصين على الفور تدريبات عسكرية حول تايوان ردا على زيارة بيلوسي.

 

 

ملخص الصورة في المضامين الدفاعية الجديدة للأمن القومي لليابان

 

ويمكن أن نرى ملخص الصورة في تلك المنطقة، داخل الرؤية اليابانية الجديدة لمضامين الدفاع عن الأمن القومي، والتي صاغها تقرير عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، وكانت بداية التقرير المثل الياباني الشهير "لن تستطيع إمساك النمر الصغير إذا لم تدخل عرينه"، والذي يعد ترجمة للحملة المحفوفة بالمخاطر السياسية التي قادها رئيس الوزراء الياباني الحالي فوميو كيشيدا، بهدف توجيه الرأي العام الداخلي نحو قبول استراتيجية الأمن القومي الجديدة والسياسات الدفاعية ذات الصلة بها، والتي أعلنت عنها اليابان في 16 ديسمبر 2022.

ويمكن تلخيص تلك التحولات استراتيجية، وأهم نقاط الاستراتيجية الجديدة في نقاط محددة

• الصين تحدٍ استراتيجي غير مسبوق: وثيقة الأمن القومي الجديدة تصف الصين لأول مرة"بالتحدي الاستراتيجي غير المسبوق"، وهي رؤية تتفق مع توجهات حلفاء اليابان الغربيين،

• تواجد اليابان في بيئة أمنية خطيرة: تُعد "البيئة الأمنية الخطيرة" التي تحيط باليابان أكثر الهواجس التي دفعتها لتغيير مفهومها للأمن القومي.

• وصفت الاستراتيجية روسيا "بمصدر قلق للأمن القومي الياباني"، في ظل الخلاف بين الدولتين حول جزر الكوريل الأربع،

• الارتباط بأمن تايوان: ربطت الوثيقة الجديدة الأمن القومي لليابان بنظيره في تايوان، وعبرت بلغة واضحة عن دعم استقرار تايوان، وأبدتقلقاً كبيراً بشأن تحوّل الميزان العسكري لصالح الصين.

• زيادة الإنفاق العسكري لليابان: يعد ذلك أحد أهم مظاهر التحول في السياسة اليابانية الجديدة بعد أن أقرت طوكيو خطة إنفاق قياسية

• شراء أسلحة جديدة: تتضمن السياسة الدفاعية الجديدة لليابان خطوات لشراء صواريخ بعيدة المدى يمكنها استهداف المواقع العسكرية للعدو

• تعزيز الشراكات العسكرية: تأتي الصناعات العسكرية في مقدمة هذه الشراكات، ليس فقط مع الولايات المتحدة، بل من خلال التوسع مع شركاء جدد مثل بريطانيا وإيطاليا،

• توجيه الضربات المضادة: تنص الوثائق المصاحبة للاستراتيجية الجديدة على حق اليابان فيتوجيه ضربة ضد الأهداف العسكرية للدول التي تستهدف اليابان

 

• تؤكد الوثيقة الالتزام بالدستور الياباني الذي يرفض شن أي "ضربة استباقية" على "دو لة معادية"، ولهذا وضعت الاستراتيجية الجديدة ثلاثة شروط قاسية للضربة المضادة، وهي أن يكون هناك تهديد حتمي لليابان أو لدولة صديقة يؤدي بدروه إلى تهديد حتمي للأمن القومي الياباني، وعدم وجود وسيلة أخرى لتفادي الضربات المعادية، وأن يكون رد الفعل العسكري الياباني في الحد الأدنى الممكن.