الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في خطبة الجمعة

خطبة الجمعة بالحرمين الشريفين: لله في الكون آيات ظاهرات ومعجزات باهرات.. زلزال الأرض إعذار وإنذار للناس .. وذكر الرحمن جلاء للقلب وحياة الروح

الحرم المكي
الحرم المكي

أدى خطباء المملكة العربية السعودية، خطبة الجمعة اليوم التاسع عشر من رجب 1444هـ، حيث أوصى إماما الحرمين المسلمين بتقوى الله سبحانه، وعدم الاغترارَ بالأماني والآمال، خاصة وأنهم على وَشَكِ النُّقْلةِ والارتحال.

ما يُصلحُ القلبَ

وقال الشيخ بندر بن عبدالعزيز بليلة إمام وخطيب المسجد الحرام في خطبة الجمعة التي القاها اليوم بالمسجد الحرام : أشرَفُ ما في الإنسان قلبُه، وهو سيدُ أعضائِهِ وقائدُها، وصلاحُ قالَبِه بصلاحِ قلبه، وفسادُه بفساده، عن النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رضي اللهُ عنه عن النبي ﷺ أنه قال: ( إن في الجسد مُضغة، إذا صَلَحَت صَلَح الجسدُ كُلُّه، وإذا فَسَدَت فَسَدَ الجسدُ كُّلُّه، ألا وهي القلب) أخرجه البخاريُّ ومسلم.

وأضاف خطيب المسجد الحرام: القلب مَصدرُ القوة، ومُستقَرُّ الروح، ومُستودَعُ الإيمان، وهو موضعُ نظرِ الربِّ ومَحَلُّ رِضاه، وهو عُدةٌ لصاحبه إن سَلِم يومَ الوُفودِ على مولاه، قال النبيُّ ﷺ: (إن الله لا ينظرُ إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) أخرجه مسلم.

وأكد أن تعاهُدُ القلبِ ورعايتُه، وإصلاحُه وتطهيرُهُ ووِقايتُه: واجب مُحَتَّم، وأمرٌ عند الله معظَّم، وبه فوزُ العبدِ ونَجاؤُه، وسَعْدُهُ وهناءة، وهل النعيمُ إلا نعيمُ القلب وهل العذابُ إلا عذابُ القلب ألا وإن لذلك وسائلَ وأسبابا، وطُرقًا وأبوابا، فأولها وأولاها: الإخلاصُ لله تعالى، بأن يُعلِّقَ العبدُ قلبَه بربه سبحانه، ويكونَ له قولُهُ وعملُهُ وتركُه، ويَبْرأَ مما سواه من المخلوقات.

وأوضح خطيب المسجد الحرام أن مما يُصلحُ القلبَ فعلُ الطاعات، مِن فرائضَ وواجباتٍ ومُستحبات؛ فإنها تُنوِّر القلبَ وتجلُوُه، وتُثَبِّتُه وتُقوِّيه، وبضدِّها المعاصي والذنوب؛ فإنها تُظلِمُ القلبَ وتُغويه، وتُمرِضُهُ وتُردِيه، قال المصطفى ﷺ: (تُعرَضُ الفتنُ على القلوب كالحصير عودًا عودا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أَنكرها نُكِتَ فيه نكتةٌ بيضاء، حتى تصيرَ على قلبين: على أبيضَ مثلِ الصَّفا، فلا تضرُّهُ فتنةٌ ما دامت السماواتُ والأرض، والآخرُ أسودُ مِربادًّا كالكُوزِ مُجَخِّيا، لا يَعرفُ معروفًا ولا يُنكرُ منكرًا إلا ما أُشرِبَ مِن هواه) أخرجه مسلم.

ذِكرُ الله جِلاءٌ للقلب

وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن ذِكرُ الله جِلاءٌ للقلب، وروحٌ يَحيا به، ونورٌ يستضيء بقَبَسِه، وهو له كالغِذاء للجسد، والماءِ للزرع، وجاء رجلٌ إلى النبي ﷺ فقال: (يا رسول الله: إن شرائعَ الإسلامِ قد كثُرت علي، فأخبرني بشيء أتشَبَّثُ به) فقال عليه الصلاةُ والسلام: (لا يزالُ لسانُك رَطْبًا من ذكر الله) أخرجه أحمدُ والترمذيُّ وحسَّنه ومَن غَفَلَ أو ألَمَّ بخطيئة فلْيلْهَجْ بالاستغفار؛ فإنه مَمحاةٌ للذنب، ومَطهرةٌ للقلب، قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: (إنه ليُغانُ على قلبي، وإني لأستغفرُ اللهَ في اليوم مئةَ مرة) أخرجه مسلم.

وقال خطيب المسجد الحرام: إذا أقبل العبدُ على القرآن تلاوةً وعملاً وتدبُّرًا رقَّ قلبُهُ وراق، وحَفَّه الخيرُ والضياءُ والإشراق، كيف لا! وكتابُ الله هو الهُدى من الضَّلالة، والمُبدِّدُ لظُلَمِ الجَهالة، وهو الشفاءُ من الأسقامِ البدنيةِ والقلبية، والعِصمةُ في الأمورِ الدينيةِ والدنيوية.

أكد الدكتور بندر بن عبدالعزيز بن بليلة إمام وخطيب الحرم المكي، أن لله في أكوانه آياتٌ ظاهرات، ومُعجزات باهرات، تشهدُ بعظمة الخالقِ وجمالِ الخلق، وتدعو إلى التدبُّر والتبصُّر واليقين.

دلائل قدرة الله في حدوث الزلازل

وتابع خلال خطبة الجمعة اليوم من رحاب المسجد الحرام بمكة المكرمة: ألم تَروا إلى هذه الأرض التي منها تُخلَقون، وعليها تعيشون، وعلى ظَهرها تدرُجون، وفي بطنها تُدفنون جعلها اللهُ بِساطًا ومِهادًا وقرارًا، وقدَّر فيها الأرزاقَ والأقواتَ إنعامًا منه وإفضالاً واقتدارا، ثم شاء سبحانه فزلزلها إعذارًا وإنذارا وإن تَزلزُلَ الأرضَ مَدعاةٌ لتَزَلْزُلِ القلبِ ويَقَظَتِه، ولينِه بعد قَسوتِه، تعظيمًا لله ووَقارا، وإخباتًا له وانكسارًا، وبُعدًا عن مَناهيه، وتلمُّسًا لمَراضيه.

وقال خطيب الحرم المكي: لقد فُجع الناسُ بما جرى في بعض ديار المسلمين من الزلازل المدمِّرة، والرَّجَفَات المُروِّعة، ولله سبحانه الحمدُ على ما قدَّر وقضى، يبتلي بالسراء والضراء، ويختبِرُ في المنع والعطاء، ويَعِد الصابرين بالرحمة والهُدى والصلوات، وله الحكمةُ البالغةُ والرحمةُ السابغةُ في البَلايا والمصيبات، وإنا لنرجو منه سبحانه أن يجعل أولئك المنكوبين في حِزره وضَمانه، وكَنَفِه وإحسانه، وأن يشفيَ مرضاهم، ويُداويَ جرحاهم؛ ويرحمَ موتاهم.

وأضاف خطيب الحرم المكي: لقد كانت هذه البلادُ المباركةُ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ خيَر مِعوانٍ في هذا المصاب الجَلَل، فمَدَّت أياديَ العون والعَطاء، وغَدَت للمضرورين منه روضَ خيرٍ وسَحابَ نَدى، فشكر اللهُ لخادمِ الحرمينِ الشريفينِ وسموِّ وليِّ عهدِهِ ما أَمرا به ووجَّها، وأحسن إليهما، وأجزل لهما الأجرَ والثواب، ولا يَفَتْكم أيها الموفَّقون أن تُصيبوا من هذا الخير، برفِدِ المصابين في ذاك الحدث ومساعدتهم من خِلال الجهاتِ الرسمية، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ ما في عون أخيه.

الله حاكم بالعدل يبين في ميزانه مثقال الذرة

في حين، أكد الشيخ أحمد بن طالب خطيب الحرم النبوي، أن أعظم الناس رحمة من صان نفسه عن مساخط الله وتعرض لنفحاته ورحماته عن ابنِ عمرَ، قالَ: ( إن كنَّا لنعدُّ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في المَجلِسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ: ربِّ اغفر لي، وتُب عليَّ، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ ) .

وقال خطيب الحرم النبوي خلال خطبة الجمعة من رحاب المسجد النبوي بالمدينة المنورة: “ليس بين الله تعالى وأحد من خلقه قرابة ولا رحم ولكنه قائم بالقسط حاكم بالعدل يبين في ميزانه مثقال الذرة وأن العارفون علموا أنه ما استدر بمثل الاستغفار ولا استنزل مثل لسان الاضطرار ولا عرج مثل الصلاة والسلام على الصفي المختار”.

وبين خطيب الحرم النبوي أن الاستغفار لازم التوبة وبابها قال عزوجل (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )، موضحاً أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر لأمته ففي الحديث عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : ( لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نَفْسٍ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِي ، فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ ، وَمَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ " . فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ . قَالَ : فَقَالَ : لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيَسُرُّكِ دُعَائِي " قَالَتْ : وَمَا بِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ . قَالَ : " وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدَعْوَتِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ ).

استرسال للسماء وإمداد بالمال والبنين 

خطيب الحرم النبوي شدد على أن الاستغفار استرسال للسماء وإمداد بالمال والبنين ومتاع حسن وقوة في البدن وتودد للرحيم قال جل من قائل (فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)، لافتاً إلى أن الله تعالى كريم رحيم يحب توبة العبد ويردها له ورحيماً بصعف الإنسان قال تعالى (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ? وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ).

واختتم خطيب الحرم النبوي أن الله تعالى قرن ربوبيته للعالمين برحمته فرحمته تنال بطاعته والتوبة من معصيته فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ( لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ) .