الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمود الهواري يكتب: أنوار الفاتحة (2).. البسملة وأسرارها

د. محمود الهواري
د. محمود الهواري

البسملة اختصار لقولنا: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ومعناها الإجماليُّ طلب العون والبركة من الله صاحِبِ الرَّحمة الشَّاملة قبل الشُّروع في القول أو الفعل.

وبعض النَّاس قد لا يتوقَّع أن يكون في البسملة أسرارٌ أو فوائدُ، ولكنَّ الَّذي ينبغي أن يُعلم أنَّ مَن دخل محراب القرآن خاشعًا مقبلًا راجيًا متدبِّرًا فإنَّ القرآن يفيض عليه من عطاياه، فهذا الكتاب الكريم كما أخبر سيِّدنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- «لاَ يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلاَ تَنْقَضِي عِبَرُهُ، وَلاَ تَفْنَى عَجَائِبُهُ».
وبعيدًا عن الخلاف حول كون البسملة آيةً من الفاتحة أو أنَّها نزلت لابتداء السُّورة فقط؛ فإنَّ من أنوار البسملة أن نعرف سرَّ هذه الجملة وفوائدَها.

والبعض يفهم أنَّنا حين نقول: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ فإنَّنا نتبرَّك باسمٍ واحدٍ من أسمائه –سبحانه وتعالى- وهذا فهمٌ مغلوطٌ؛ فليس معنى ورود «اسم» على صيغة المفرد أنَّ العبد يتبرَّك باسمٍ واحدٍ دون بقيَّة أسمائه –عزَّ وجلَّ- وإنَّما المعنى هنا: أستعين وأتبرَّك بجميع أسماء الله الحسنى؛ وذلك لأنَّ المفرد المضاف يفيد العموم، ولأنَّ لفظ الجلالة «الله» إذا ذُكِر جمَعَ في معناه جميعَ الأسماء والصِّفات، فعندما تقول: «بسم الله» فإنَّك تقول: باسم الملك، والقدُّوس، والسَّلام، والمؤمن... إلخ، أمَّا إذا قلت: باسم الرَّحمن مثلًا، فلا تكون الاستعانةُ أو البداية إلا بالرَّحمن فحسب وهكذا، ثم إنَّ لفظ الجلالة «الله» أخصُّ أسمائه، حتَّى قيل: إنَّه الاسم الأعظم؛ لأن غيره لا يشركه فيه.

والتَّاريخ يسجِّل أنَّ البسملة لها أثر عجيب، فبعد أن صنع سيِّدنا نوحٌ –عليه السَّلام- سَفينته قال لِـمَن آمن معه: ﴿ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فسارت السَّفينة بمن حملته وسط أمواجٍ وصفها القرآن بأنَّها كالجبال.

ولا أدري لماذا تفوتنا هذه الصِّيانة المضمونة لأهل «بسم الله» وننسى أن سيِّدنا رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ مَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ إِلَّا لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ».

وإنَّا لنصدِّق نبيَّنا –صلَّى الله عليه وسلَّم- فيما أخبر به عن ربِّه، وقد أبان العلم الحديث عن صدقه، فهذا عِلمُ الإنسان القاصر يعلن أن الإشعاع -وهو شيءٌ لا يُرى- قد يُحدث أضرارًا بالغةً بمن يُسَلَّط عليه، وقد يموت بسببه دون أن يشعر بذلك أحدٌ.

إنَّ البسملة أدبٌ ربانيٌّ أوحاه الله تعالى إلى نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- مع أوَّل نزولٍ للقرآن؛ إذ قال الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، وهكذا ينبغي أن تكون حركة المسلم في الحياة باسم الله؛ فهي مفتاح كلِّ خيرٍ، لا سيَّما في الأمور المهمَّة، وإلَّا ذهبت بركتها.

وقد فصَّلت السُّنَّة بعض المواقف الَّتي يبدأ فيها المسلم بالبسملة، ومنها عند الوضوء للصَّلاة، وعند تناول الطَّعام، وعند ذبح الأضحية، وعند النَّوم، وعند دخول المسجد، وعند الخروج منه، وفي غير ذلك من مواضع، فما أجمل أن تكون البسملة على لسان العبد دائمًا.  

وإنَّنا نحتاج إلى البسملة في أعمالنا لنتذكَّر ضرورة إصلاح النيَّات فيها، وأنَّ ما لا يكون لله لا يكون؛ فلا يكون الكلام ولا السُّكوت إلَّا لله، ولا تكون الحركة ولا السُّكون إلَّا لله، فبسم الله توكلنا على الله.