الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الناقد حسين حمودة: رحلة جمال الغيطاني تستحق الاهتمام بها على كل المستويات..خاص

حسين حمودة
حسين حمودة

قال الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة، أحد أصدقاء الروائي الراحل جمال الغيطاني في ذكرى ميلاده: "أكثر من مرة كتبت عن بعض أعمال جمال الغيطانى: (الزينى بركات)، (كتاب التجليات)، (هاتف المغيب)، (شطح المدينة)، (الرفاعى)، (رسالة البصائر فى المصائر)، (رسالة فى الصبابة والوجد) وغيرها، وأجريت حوارين معه، وأشرفت على بعض الرسائل الجامعية عن بعض أعماله، وقاربت مشروعه الإبداعى في مدخل شبه مطول في الموسوعة العربية التي تصدرها (الأليسكو)، وفي مقاربة قصيرة فى مدخل عنه بـ(قاموس الأدب العربى) الذى أشرف عليه الدكتور حمدى السكوت، وفيما انتهيت إليه بهذا المدخل أن عالم الغيطاني واضح الغنى والتنوع".

وأضاف حمودة، في تصريحات خاصة لموقع "صدى البلد": "فى هذا العالم المتنوع، الذى يجوب مساحات عدة، بجهات متباينة، ثمة معالم راسخة ثابتة رغم تناميها عبر رحلة جمال الغيطانى: الاهتمام المتصل بوضع الإنسان العربى تحت وطأة سلطة رازحة، مطبقة خانقة، كلية القدرة تقريبا، ممتد ظلها الثقيل عبر أزمنة تاريخية طويلة.. الانتقال من تناول اليومى، التفصيلى، المرتبط بهموم جزئية محددة، فى واقع حافل بالمفارقات والتناقضات، إلى التساؤلات التى لا يتوقف طرحها ـ مع أن، وربما بسبب أن، أغلبها يلوح بلا إجابة ـ حول قضايا كبرى قديمة متجددة، تطال الوجود والزمن والموت، والتوق الإنسانى، الذى لا ينى، إلى التناغم المفتقد مع الطبيعة والكون.. والترحال، بدلالاته ومستوياته المختلفة، بحثا عما يجاوز الحاضر القائم ـ بكل ما يعتوره من معالم الفقد، والظلم، والاغتراب..إلخ ـ إلى المجهول النائى، بكل ما يعد به من اكتمال وتحقق.. الاستناد، فى ذلك كله، إلى لغة أثيرة، مشبعة بذائقة صقلتها معرفة وإلمام واضحين بالتراث العربى القديم.. نبرة الشجن الخفيفة الخفية التى تتخلل النصوص والتى تلوح، لرهافتها، كأنها بلا حضور مادى ملموس.. الحس الحاد بهاجس الزمن الذى يتجلى عبر مستويات شتى، والصلة العميقة بالمكان التى قادت الغيطانى إلى صياغات فريدة".

وأوضح: "وفى كتابات جمال الغيطانى التى ترامت فى مساحات رحبة؛ أزمنة وأماكن شتى، واقعية أوافتراضية، مستدعاة أومتخيلة، قريبة ونائية، مشهودة أومستشرفة بمنطق التجلى الصوفى.. تظل منطقة (الجمالية)، قريبا من حى (الحسين) القاهرى العتيق، بزمنها المنطوى على أزمنة متراكبة، هى الموطن وهى المآل، نقطة البدء ونقطة الوصول، منها ينطلق عالم الغيطانى، وإليها ـ بعد ترحالاته التى تلوح بلا نهاية ـ ينتهى ويؤوب".

وتابع حسين حمودة: "محاولاتي لمقاربة عالم الغيطاني، خلال أعماله، امتدت بعد رحيله خلال مناقشات سعدت بها مع زوجته الراحلة الكاتبة ماجدة  الجندي .. كانت مثقفة بحق، وقارئة عظيمة ومتقصية للأدب، ومؤمنة إيمانا حقيقيا بكتابات الأستاذ جمال، وأيضا مدافعة أبدية عنها.. والحقيقة أن جزءا من نقاشاتنا دارت حول الصلات بين عالم جمال الغيطاني وعالم أستاذه وأستاذي: نجيب محفوظ.. وقد تفضلت جريدة "الدستور" الغراء بنشر حوار مطول بيننا على صفحتين كاملتين، وقد رأت الأستاذة ماجدة الجندي أن هناك مساحة مشتركة فيما ما بين «التفاتة محفوظ» لفكرة الزمن وما بين «عناية الغيطانى» بنفس الفكرة، وحاولت أنا أن أشبع هذه النقطة بالإشارة إلى أن نقطة البداية في هذه المساحة المشتركة ترتبط بأن منطقة القاهرة المعزية كانت أشبه بـ«سرّة العالم»، بالتعبير الجغرافى القديم، فى عالم كل منهما.. وهى منطقة تمثل مكانًا مفتوحًا على أزمنة متعددة تتعايش معًا فى الحيز الواحد.. وبالإضافة لهذا، هناك عناية خاصة بفكرة الزمن عند كل منهما وصلتها بالحياة وبالموت وبالخلود، وكل هذا يمثل «انشغالًا» مصريًا، موروثًا وثابتًا تقريبًا، منذ عصر الأسرات المصرية القديمة.. «سؤال الزمن» فى أعمال الغيطانى مطروح بوضوح جدًا، وهو يأخذ بعدًا آخر موصولًا بتأملات التصوف حول الزمن، وهو فى ذلك يستكمل استبصارات بعض المتصوفة فى الزمن، وهى استبصارات مذهلة، أو لا تزال مذهلة، حتى الآن.. ومنها فكرة أن المكان زمن متجمد والزمن مكان سائل.. وقد كتب الغيطانى مقالًا جميلًا ونشره فى مجلة «فصول»، وقدم فيه رؤى خاصة حول علاقة الزمن بالمكان.. هناك صلة مشتركة فيما يخص حضور الزمن فى عالم محفوظ وعالم الغيطانى، وإن دخل كل منهما إلى هذا من مدخل مختلف".

وأنهى: "الآن رحل الأستاذ جمال الغيطاني، واكتملت معالم رحلته الإبداعية والثقافية عموما.. وهي رحلة تستحق الاهتمام بها على كل المستويات الممكنة".