الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطيب المسجد الحرام: العاقل يتخذ من صفحات الدهر وقفات لمحاسبة نفسه ومراجعتها

خطيب المسجد الحرام
خطيب المسجد الحرام

قال الشيخ ياسر الدوسري، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن العاقلُ الحَصيفُ هو مَنْ يتَّخِذُ مِنْ صفَحاتِ الدَّهرِ وانطوائِهِ وقفاتٍ للمحاسبةِ الجادَّةِ، ولحظاتٍ للمُراجعةِ الصّادقةِ، فيرتقي في مراتبِ الكمالِ البشـري الذي أمرَهُ اللهُ بنشدانِهِ، وشَحَذَ الهِمَمَ للسعيّ في بنائِهِ وإتقانِهِ.

كل مكلف عاقل 

وأوضح " الدوسري " خلال خطبة أول جمعة قي العام الهجري 1445 اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن البصيرُ لا يركنُ إلى الخُدعِ، ولا يغترُ بالطمعِ، ومن أطالَ الأملَ نسِيَ العملَ، وغفلَ عن الأجلِ، منوهًا بأن كلِّ مُكلَّفٍ عَاقِلٍ، وحَتمٌ على كلِّ مُوقنٍ حَازمٍ، وأن يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ لا يغفلَ عنْ مُحاسبةِ نفسِهِ، ومُراجعةِ وتقييمِ مَسارِهِ في ماضِيهِ وحَاضرِهِ ومُستقبلِهِ.

وأضاف أن الأيامُ تتعاقَب ، وتتوالى الشّهورُ، وتمضي السُّنون، والأعمارُ تُطوَى، والآجالُ تُقضى، والأبدانُ تَبلَى، وكلُّ شيءٍ بأجلٍ مسمَّى، وها نحنُ قدْ ودعنَا عاماً تقضَّتْ ساعاتُهُ سِراعاً، ومضتْ أوقاتُهُ تِباعاً، وكأنَّها طيفُ خيالٍ، أو ضيفٌ زارَ ثمَّ زالَ، ففي استقبالِ عامٍ وتوديعِ آخَرَ تذكرةٌ للمتدبِّرين وعبرةٌ للمتفكرين، قال تعالى {يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ}. 

وتابع: وفي حوادثِ الأيامِ عِبَرٌ، وفي قوارعِ الدهرِ مُزدَجَرٌ، فالفُرَصُ تَفوتُ، والأجلُ مَوقوتُ، والإقامةُ محدودَةٌ، والأيّامُ معدودةٌ، لافتًا إلى أن هلاكَ القلبِ وأضرَّ ما يكونُ على الإنسانِ: الإهمالُ وتركُ المحاسبةِ، والاسترسالُ وموافقةُ النفسِ واتباعُ هواهَا، فإنَّ هذا يؤولُ بهِ إلى الهلاكِ، وهذه حالُ أهلِ الغرورِ، يُغمضُ عينيهِ عنِ العواقبِ ويتكلُ على العفو، فإذا فعلَ ذلك سهلَ عليهِ مُواقعةُ الذنوبِ وأَنِسَ بها، وعَسرَ عليه فِطامُها.

سلاسل القهرِ

وأكد أنَّ النفسَ خُلقتْ أمارةً بالسوءِ تجري بطبعِهَا في ميدانِ المخالفةِ، وقدْ أُمِرَ العبدُ بتقويمِهَا وتزكيتِهَا، وأنْ يقودَهَا بسلاسلِ القهرِ إلى عبادةِ ربِّهَا، فإنْ أهملَهَا وأغفلَهَا جمحَتْ وشردَتْ وتمردَّتْ، ولم يظفرْ بهَا بعدَ ذلك، وإن قوّمَهَا وحاسبَهَا ارتدعَتْ وأذعنَتْ واستقامَتْ، وإذا عَرَفَ الإنسانُ عيوبَ نفسِهِ وآفاتِهَا دفعَهُ ذلك إلى مَقتِهَا، والتذللِ والخضوعِ بينَ يَدي خالقِهَا.

واستطرد: كما يدعوهُ ذلكَ إلى محاسبةِ نفسِهِ ومجاهدتِهَا، وتطهيرِهَا مِنَ الذنوبِ، وتنقيتِهَا مِنَ العيوبِ، وتزكيتِهَا طاعةً لعلّامِ الغيوبِ، راجياً بذلك الفوزَ والفلاحَ" ، موضحًا أن السلف الصلح – رحمهم اللهُ – أدركَ هذه المعاني، وقدروهَا حقَّ قدرِهَا، فترجموهَا في حياتِهِم قولاً وعملاً، وقد سطَّرَ التاريخُ  لهمْ أروعَ الوصايا وأعظمَها في هذا الميدانِ، واستفاضتْ مقولاتُهُم وسارتْ بهَا الركبانُ.

واستشهد بما ورد في الأثرُ الشهيرُ عنْ عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه حينَ قالَ: ( حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ).