الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما المقصود بـ كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة؟ علي جمعة يوضح

علي جمعة
علي جمعة

ما المقصود بـ كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة؟ أمر بينه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

ما المقصود بـ كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة ؟

يقول تعالى : ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾، ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ أمرنا أن نتدبر وأن نتعقل وأن نتفكر، والفكر حركة النفس في المحسوسات .. فلابد إذًا عندما نتفكر في القرآن الكريم من أن نتفكر فيما حولنا من واقعٍ معيش، وأن نتفكر فيما ضربه الله لنا من الأمثال، وأن نطبق هذا على ذاك، وأن نستخرج الحِكَم، وأن نكون من أهلها، تلك الأمثال ضربها الله لنا، ونحن نلتفت في واقعنا المعيش فإذ بنا نرى العدوان هو السائد، ونرى الحق وكأنه لا مكان له مع القوة، ونرى الفساد ولا يقوم له الناس كما يقومون لأصحاب العدوان والقوة ، عالم غريب يُحترم فيه الفاسد القوى، ولا يُحترم فيه الضعيف التقي ، والله سبحانه وتعالى أسس لنا في ذلك نظرا.

ويوضح علي جمعة: ربنا سبحانه وتعالى في أواخر سورة المدثر يقول : { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } خطاب للبشر لمن سمع ولم يُصدّق أو لمن سمع وكره ، ويذكرنا الله تعالى بتلك الصورة {حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} أسد يريد أن يأكل حمارًا فيفر الحمار خوفًا وفزعًا ويتتبعه الأسد طغيانًا وعداونًا، نزاع حيوانى كهذا النزاع الذي فيه عدوان من أهل الشر، من أهل كراهية الوحي، من أهل تنحية كلمة الله ؛سدوا على أنفسهم منافذ النور، وسدّوا على أنفسهم مدارج الوحي، واكتفوا بما قد أقامهم الله فيه من جسديةٍ وجسمانية مردها إلى الطين والتراب والحمأ المسنون.

وتابع: انظر معي يقول ربنا سبحانه وتعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} آدم خُلق من ترابٍ .. من طينٍ .. من صلصالٍ .. من حمأٍ مسنون، ثم تمت له تسوية، {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}، إذًا فالإنسان قد خُلق كما خُلق الحيوان من ترابٍ ومن صلصالٍ ومن حمأٍ مسنون، إلا أن الله قد أضاف تكرمة له الاستواء والنفخ من الروح وجعل هذا موجبًا لأن تسجد له الملائكة، فلما عصاه العاصي (إبليس)، طرده من رحمته لما قال له {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، فقاس قياسًا فاسدا، لأن النار وإن كانت قياسًا أحسن من الطين إلا أن الروح أعلى من الطين ومن النار ومن النور ومن الملائكة، وبموجب هذا أسجد الله الملائكة لآدم.

وبين: إذن فالإنسان رُكّبت فيه معان، معنى الحيوانية ومعنى الروحية ومعنى الاستواء ؛وفُضّل على سائر الكائنات بالروحية والاستواء وكان ذلك موجبًا للملائكة أن تسجد له، فعندما ألغى هؤلاء القوم الروحية والاستواء رجعوا إلى الحيوانية، إلى الحُمر المستنفرة التي فرت من قسورة.

{وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} تأمل، تدبر، تفكر، استخلص، طبق هذا على ما حولك من مفاهيم البشر تجد نفسك متميزًا بتلك العقيدة السليمة التي توافق الحق وحينئذٍ { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }، فماذا عن هؤلاء؟!

هؤلاء {كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} أي أنهم عرفوه وعلموه بل وقد يكونوا قد عرفوا أنه من عند الله في بعض الأحيان، لكنه ثقيل لا يُراد له أن يكون برنامجًا لحياتهم { كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ } ردة إلى الحيوانية.

انظر ترتيب الآيات، وانظر تردد الإنسان بين الآدمية وبين الحيوانية؛ الإنسان في القرآن هو ذلك المخلوق الذي في مفترق الطريق، فإن هو زكّاها وحلاها وأعلاها دخل الجنة، وإن هو سد على نفسه أبواب الخير دخل النار ..

وشدد عضو هيئة كبار العلماء: فما شأن الدنيا ؟ شأن الدنيا أن من حصل سنن الله فيها تمكن منها، ومن لم يحصل سنن الله فيها لم يتمكن منها، فيتمكن منها المسلم أو الكافر على حدٍ سواء، إلا أنه ينبغي على المسلم في حالة ضعفه أن يستمر نورانيًا آدميًا ،وفي حالة قوته أن يستمر آدميًا نورانيا، فلا يظلم ولا يعتو ولا يعثو في الأرض فسادا ولا يخرج عن أمر الله.