حسن زايد يكتب : مفردات التكفير في منهج التفكير

لا غلو في القول بأن المرونة التي كانت تتبدي في خطاب السلفيين ، خاصة المنتمين منهم لحزب النور ، لم تكن نابعة سوي من منطلق تكتيكي يخدم الغرض من المرحلة التي تمر بها حركاتهم . والخلاف بينهم وبين غيرهم من الجماعات الأخري لم يكن سوي خلاف حول الوسيلة التي تصل بهم إلي الأهداف الكبري وغاية الغايات .
ويتبدي ذلك في موقف السلفيين وحزب النور من خارطة الطريق ، فإما أن يتم تلبية إملاءاتهم ، وإما يقلبوا لخارطة الطريق ولجنة الدستور ظهر المجن . ولا أدري لماذا لم يتم حتي الآن البت في شأن الأحزاب الدينية أو ذات المرجعية الدينية ؟ . وهي الأحزاب التي تريد أن تلعب سياسة من خلال الدين ، وتوظيف المطلق في خدمة النسبي ، والثابت في خدمة المتغير ، وفرض الوصاية علي المجتمع كله بزعم الحفاظ علي هوية موجودة ومقررة بالفعل وهي الهوية الإسلامية . أما الترخص في تكفير المجتمع بقصد اظهار اسلاميتي فهو اسلوب رخيص وانتهازية سياسية ممقوتة .
وتتبدي هذه الإنتهازية في الإعتراض علي بعض مظاهر حكم الإخوان واسلوبهم في إدارة شئون البلاد من ناحية مع وجود قدم في الإعتصامات والمظاهرات التي تنظمها الجماعة من ناحية أخري، والإعتراض علي ما جري بعد ثورة يونية باعتباره انقلاباً علي الشرعية مع المشاركة في خارطة الطريق والتواجد بلجنة تعديل الدستور.
وقد نسي هؤلاء الناس أو تناسوا أن ثورة يونية ما قامت إلا اعتراضاً علي منهج الحكم الذي انتهجه الإخوان وأيدته بشدة الجماعات التابعة لها بما في ذلك الجماعة السلفية ، وإذا كانت دعوتهم لحضور إعداد خارطة الطريق وإعلانها ، ودعوتهم للمشاركة في لجنة الخمسين من باب لم الشمل الوطني ـ كما تم دعوة حزب الحرية والعدالة ـ لتحقيق وفاق وطني ،فهم دعوا باعتبارهم ساسة لا بصفتهم الحزبية ولا بمرجعيتهم الفكرية التي يمثلها الأزهر الشريف دون غيره . ومن ثم فلا أري معني علي الإطلاق لمواقف وضع العقدة في المنشار التي يتخذها حزب النور إذا ما أراد المشاركة في الحياة السياسية والإستمرار فيها . فموقف إما المادة 219 المشبوهة أو حذف كلمة مباديء من المادة الثانية أو الإنسحاب من اللجنة وتجييش المجتمع للتصويت بـ " لا " موقف لا طعم له ولا رائحة ولا لون .
وعندما يخرج علينا أحد قادتهم بتصريح تكفيري في مفرداته ومعناه فلا معني مطلقاً لوجودهم بلجنة وضع دستور لمصر ، كل مصر دون تمييز . فعندما يتهم لجنة المقومات الأساسية بأنها تتجه لعلمنة الدولة والقضاء علي هويتها ، يقصد بالطبع هويتها الإسلامية . وعندما يصف لجنة الخمسين بأنها لجنة إقصائية ، وبأن معظم أعضائها ينتمون دينياً وثقافياً وحضارياً إلي الغرب أو الشرق ، بعيداً عن الشعب المصري العربي المسلم المحب لدينه .
وعندما يذهب إلي القول بأنه علي حزب النور إظهار حقيقة الدستور العلماني الملفق ، ومخالفته الصريحة والفجة للدين ، ثم يذهب إلي ما هو أبعد من ذلك بقوله : يريد أعضاء اللجنة أن يقننوا لوجود الكفر والإلحاد والوثنية . عندما يلقي بهذا التصريح في وجه المجتمع المصري الذي ارتضي خارطة الطريق وتلقي بالقبول لجنة الخمسين .
أليس في ذلك تكفير للمجتمع طالما لم يرتض وجهة نظره في الدين ولم يتبناها ويعمل بمقتضاها دون النظر للخلافات الفقهية ؟ . ما الفارق الجوهري بين أقوال هذا الرجل وأقوال التكفيريين الذي يحاربون الدولة والمجتمع المصري الآن ؟ وألا تمثل تصريحاته تلك تحريضاً علي لجنة الخمسين وعلي المجتمع الذي ارتضاها باعتبارهما كفاراً لا يأتون سوي الأفعال الكفرية التي تستوجب قتل أصحابها ؟ . الأمر ليس مفردات تكفير وإنما منهج تفكير تصدر عنه هذه المفردات ، ولا سبيل للتخلص من مفردات التكفير سوي إصلاح منهج التفكير .