في مايو 2025، عادت أسعار الذهب إلى دائرة الضوء مع تصاعد التكهنات حول مآلات التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين. ففي وقت بدا أن النزاع التجاري يميل إلى التهدئة، طرحت الأسواق سؤالًا مركزيًا: هل يعود الذهب إلى الانخفاض بعد شهور من الارتفاع القياسي؟
قال الباحث الاقتصادي محمود جمال سعيد إن الذهب لطالما كان مرآة تعكس حجم القلق في الأسواق العالمية، معتبرًا أن أي إشارات على تهدئة النزاع بين واشنطن وبكين قد تضعف الطلب عليه كملاذ آمن.
وأوضح أن الأسواق شهدت بالفعل تراجعًا في أسعار الذهب بنسبة قاربت 2% في أبريل الماضي، مدفوعة بأنباء عن خفض الصين للرسوم الجمركية على بعض السلع الأمريكية.
وأشار إلى أن التهدئة تُفسَّر اقتصاديًا كتراجع في منسوب المخاطر، مما يقلل من جاذبية الذهب كأداة تحوط، لاسيما في الأجل القصير. لكنه استدرك قائلًا إن هذا الانخفاض لا يُلغي وجود عوامل هيكلية قد تدفع الذهب لمزيد من الصعود في المستقبل القريب.
عوامل داعمة
أضاف محمود جمال سعيد أن من بين أبرز العوامل التي تواصل دعم الذهب على المدى المتوسط والطويل، استمرار التضخم المرتفع، وتزايد مشتريات البنوك المركزية حول العالم.
ولفت إلى أن العام الماضي شهد شراء ما يقرب من 1100 طن من الذهب من قبل تلك المؤسسات، وهو ما يُعد من أعلى المعدلات خلال الخمسين عامًا الماضية.
وقال إن ضعف الدولار الأمريكي يشكل كذلك أحد أبرز المحفزات لصعود الذهب، مشيرًا إلى أن انخفاض قيمة العملة الأمريكية يجعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين في الأسواق الناشئة والمتقدمة على حد سواء.
تصعيد غير محسوم
وأكد الباحث الاقتصادي أن التوتر التجاري لم يُحسم بعد، حيث ما زالت الولايات المتحدة تفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100% على بعض السلع الصينية، فيما ترد الصين برسوم قد تصل إلى 84%. وأضاف أن هذا التصعيد، الذي استمر حتى مطلع مايو، ساهم في رفع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية بلغت نحو 3400 دولار للأوقية خلال أبريل.
ورأى أن استمرار هذا التصعيد سيُبقي الذهب في حالة طلب مرتفع، خصوصًا من جانب المحافظ الاستثمارية التي تبحث عن أمان طويل الأجل في ظل عالم يتسم بالتحولات الاقتصادية المتسارعة.
إلى أين يتجه الذهب؟
أشار محمود جمال سعيد إلى أن أي تهدئة ملموسة في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تدفع أسعار الذهب إلى مزيد من التراجع، خاصة إذا ترافقت مع تحسن في مؤشرات الاقتصاد العالمي واستقرار في سلاسل الإمداد.
وقال إن الذهب بطبيعته يتراجع عندما تنخفض مستويات القلق في الأسواق، مؤكدًا أن عددًا من المؤسسات المالية الكبرى أشارت في تقارير حديثة إلى أن أسعار الذهب قد تستهدف مستوى 3100 دولار للأوقية في حال استمرار تهدئة التوترات التجارية وغياب محفزات جديدة للطلب على الملاذات الآمنة.
وأضاف أن هذا السيناريو يظل مشروطًا باستمرار استقرار الأوضاع الجيوسياسية وانخفاض معدلات التضخم، وهي عوامل لا تزال متقلبة حتى الآن. وشدد على أن الأسواق تراقب بحذر أي تغير في نبرة التصعيد بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم، حيث أن عودة التوترات قد تعيد أسعار الذهب إلى مسار الصعود السريع.
توقعات أسعار الذهب
وحول مستقبل الذهب، توقع محمود جمال سعيد أن تواصل الأسعار اتجاهها الصعودي، مع إمكانية بلوغ مستويات 3500 دولار خلال الأشهر المقبلة، وربما 3700 دولار في 2026، في حال استمرار التحديات الجيوسياسية والضغوط التضخمية. كما لم يستبعد أن يكسر الذهب حاجز 4000 دولار للأوقية إذا ما عادت التوترات إلى الواجهة بقوة.
وأضاف أن الذهب لا يزال يتفوق على الفضة والمجوهرات كأداة تحوط. وقال إن الفضة، رغم جاذبيتها الصناعية، تظل أكثر تأثرًا بتقلبات السوق، فيما تواجه المجوهرات تحديات تتعلق بالسيولة وارتفاع تكاليف التصنيع، ما يجعلها أقل كفاءة للمستثمرين الباحثين عن أدوات مالية مستقرة.
اختتم الباحث الاقتصادي تحليله بالتأكيد على أن تهدئة النزاع التجاري قد تؤدي إلى هبوط طفيف ومؤقت في أسعار الذهب بسبب تقليل الطلب على الأصول الآمنة، لكنها لا تمثل تحولًا جوهريًا في اتجاه السوق. ولفت إلى أن العوامل البنيوية – من تضخم ومشتريات رسمية وضعف العملة الأمريكية – ستواصل دفع الأسعار إلى الأعلى، مما يجعل الذهب خيارًا استثماريًا استراتيجيًا في ظل المشهد الاقتصادي العالمي المتقلب.