مع كل صيف، يعيد الإعلام الغربي إحياء تعبير قديم يسمي أيام الكلب" (Dog Days of Summer)، وهي فترة تعرف تقليديا بكونها الأشد حرارة في العام، لكن خلف هذا المصطلح حكاية ممتدة عبر قرون، تجمع بين علم الفلك، والمعتقدات الشعبية، والواقع المناخي المتغير.
نجم لامع وبداية التسمية
على خلاف ما قد يوحي به الاسم، لا علاقة لهذا المصطلح بالكلاب، بل يرتبط بـ نجم "الشعرى اليمانية" (Sirius)، ألمع نجم في السماء، والذي يقع ضمن كوكبة "الكلب الأكبر" (Canis Major).
منذ العصور القديمة، لاحظ الإغريق والرومان تزامن طلوع هذا النجم فجراً مع ذروة الحر في الصيف، وربطوه باضطرابات الطقس وظهور الأمراض والمجاعات، هكذا وُلد مصطلح "أيام الكلب"، الذي ما زال حاضرًا في اللغة والثقافة الإنجليزية، رغم غياب أي ارتباط علمي مثبت بين هذا النجم والحرارة.
في اليونان وروما، فغلب عليه الطابع التشاؤمي، حيث اعتبر الناس هذه الفترة غير مناسبة لاتخاذ قرارات كبرى أو خوض الحروب.
وفي المقابل، لم تعرف الثقافة العربية مصطلح "أيام الكلب"، لكنها أطلقت لحرارة الصيف مفاهيم مثل "القيظ" و**"جمرة القيظ"**، التي تشير إلى أشد فترات الحر.
وقد ارتبط طلوع نجم الشعرى بالتقاويم الزراعية والفلكية لدى العرب، لكن دون تحديد علمي دقيق لموعد هذه الظاهرة.
امتداد زمني وتأثيرات مناخية جديدة
تقليديا، تمتد "أيام الكلب" بين 3 يوليو و11 أغسطس في بعض التقاويم الغربية، إلا أن تغيرات المناخ جعلت توقيتها يختلف بحسب خطوط العرض والظروف الإقليمية.
ومع تصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري، لم تعد "أيام الكلب" مجرد محطة موسمية، بل تحولت إلى فترة أطول وأكثر قسوة، تتسم بارتفاع درجات الحرارة، وزيادة نسبة الرطوبة، وركود الرياح.
أثر على الصحة والمجتمع
تشير تقارير ودراسات حديثة إلى أن هذه الفترة تُسجل خلالها معدلات أعلى من التوتر النفسي، ونوبات الغضب، وجرائم العنف، خصوصًا في المناطق الفقيرة أو التي تفتقر إلى وسائل التبريد المناسبة.
كما ترتفع حالات الإجهاد الحراري وضربات الشمس، لا سيما بين كبار السن والعمال والمشرّدين في المناطق الحضرية.
كيف نتعامل مع "أيام الكلب" اليوم؟
في الواقع المعاصر، يظهر الناس في الشرق الأوسط، وغيرهم في المناطق الحارة، تكيف شعبيا مع هذه الفترات، من خلال تقليل الحركة نهارا، ارتداء ملابس خفيفة، وشرب كميات كبيرة من المياه. كما تتكثف جهود الحكومات لنشر التوعية الصحية، وإصدار التحذيرات الجوية، وتعزيز أنظمة الطوارئ.
لكن في ظل تفاقم التغير المناخي العالمي، باتت "أيام الكلب" مؤشر صارخا على واقع بيئي أكثر تطرفا، يحتاج إلى مراجعة عاجلة لسياسات التكيف، خصوصا في الدول ذات البنية التحتية الضعيفة.
بين الماضي والحاضر ظاهرة واحدة بأسماء مختلفة
لايعرف الكثيرون في العالم العربي هذا المصطلح الغربي، لكنه يختبر ذات التجربة صيف طويل ومرهق، يتكرر كل عام.
"أيام الكلب"، بموروثها الفلكي والثقافي والمناخي، تقدم فرصة لفهم العلاقة المعقدة بين الطقس والتاريخ واللغة والإنسان، في زمن باتت فيه الظواهر الطبيعية أكثر حدة، وأكثر حضورا في حياتنا اليومية.