في توقيتٍ بالغ الحساسية، وبينما لا تزال النيران مشتعلة في قطاع غزة، تكشف تقارير إعلامية إسرائيلية عن تحرك استراتيجي هادئ يجري خلف الكواليس بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يستهدف ما هو أبعد من ساحة الحرب، ليصل إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي.
ففي تقرير خاص بثّته القناة 14 الإسرائيلية، كُشف النقاب عن خطة «عملاقة» تم إعدادها بسرية تامة بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، وتهدف إلى إنشاء ممر تجاري عالمي جديد يربط الشرق بالغرب، ويُشكل بديلًا استراتيجيًا لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية، التي أنفقت فيها بكين أكثر من تريليون دولار في مشاريع بنية تحتية على مستوى العالم.

تحالف اقتصادي جديد يتوسطه الشرق الأوسط
ووفقًا للتقرير، فإن نتنياهو لمح خلال الأسابيع الماضية إلى خطة "ضخمة" يتم الإعداد لها مع ترامب، مؤكدًا أنها ليست مجرد مبادرة إقليمية، بل مشروع استراتيجي عالمي سيُحدث تحولًا جذريًا في موازين القوى الاقتصادية الدولية.
الخطة تقوم على إقامة ممر تجاري يمتد من الهند، مرورًا بالشرق الأوسط، وصولًا إلى أوروبا، لتكون الولايات المتحدة طرفًا رئيسيًا فيه. وستمثل إسرائيل، بحسب التقرير، مركزًا محوريًا في هذا المشروع، بفضل موقعها الجغرافي بين قارتي آسيا وأوروبا، مما يؤهلها لتكون نقطة عبور رئيسية في شبكة التجارة العالمية الجديدة.
التحالف الذي تقوده واشنطن، بمشاركة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، لا يقتصر على التجارة، بل يشمل تعاونًا دبلوماسيًا واقتصاديًا وطاقويًا، في محاولة لإعادة توجيه خطوط الإمداد العالمية وتقليص الاعتماد على الممرات التجارية التي تهيمن عليها الصين.
شرط جوهري: إنهاء الحرب في غزة
لكن نجاح هذا المشروع الطموح مرهون، بحسب ما أورد التقرير، بإيقاف الحرب الجارية في قطاع غزة. فالمشاركة الفاعلة للسعودية ودول الخليج – بما تمتلكه من موارد طاقة هائلة، وتمويل ضخم، وموقع استراتيجي بالغ الأهمية – تُعد شرطًا أساسيًا لانطلاق المشروع. وبدون تهدئة الأوضاع وعودة الاستقرار، من غير المرجح أن تنخرط هذه الدول في مبادرة بهذا الحجم.
مشروع بثلاثة أبعاد: الأمن، السياسة، الاقتصاد
يرى مراقبون أن هذا المشروع ليس مجرد خطة اقتصادية، بل هو تصور متكامل يجمع بين السياسة والأمن والطاقة، ويعكس تحولًا في الرؤية الأمريكية – الإسرائيلية للمرحلة التالية من الصراع في غزة. فنتنياهو، الذي يواجه حاليًا تحديات ضخمة على عدة جبهات، يرى في هذا المشروع فرصة استراتيجية لترسيخ مكانة إسرائيل الاقتصادية والجيوسياسية.
ويتزامن ذلك مع ثلاث أولويات يركز عليها رئيس الحكومة الإسرائيلية: استعادة الأسرى الإسرائيليين، القضاء على حركة حماس، وإطلاق هذا المشروع العالمي الذي قد يُعيد رسم خريطة العلاقات الاقتصادية بين الشرق والغرب.
مشروع موازٍ للحزام والطريق؟
يشير التقرير إلى أن المشروع المزمع يتقاطع في أهدافه مع مشروع "ممر الهند – الشرق الأوسط – أوروبا" الذي تم الإعلان عنه خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي عام 2023، والذي حظي بدعم أمريكي وخليجي. لكن النسخة التي يجري العمل عليها حاليًا، بحسب المصادر الإسرائيلية، تتسم بقدر أكبر من الطموح السياسي والديناميكية الجيوستراتيجية، وتُعد ردًا مباشرًا على تنامي النفوذ الصيني في الأسواق الناشئة.
كما أن المشروع يحمل طابعًا سياسيًا يتجاوز الاقتصاد، ويهدف إلى تعزيز التحالف الأمريكي – الإسرائيلي – الهندي، وإعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية في الشرق الأوسط، في ظل انسحاب نسبي للولايات المتحدة من بعض الملفات العسكرية في المنطقة.
ما بعد غزة لن يكون كما قبلها
الخطوة التي كشف عنها التقرير تمثل تحولًا لافتًا في التفكير الإسرائيلي – الأمريكي: من التركيز على إدارة الأزمات الأمنية والعسكرية، إلى إعادة هندسة التوازنات الاقتصادية العالمية، انطلاقًا من قلب الشرق الأوسط.
وإذا ما تحقق هذا المشروع، فإن تداعياته قد تطال خرائط النفوذ التجاري والطاقوي من آسيا إلى أوروبا، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التنافس بين واشنطن وبكين، لكن هذه المرة من بوابة الشرق الأوسط، حيث يُعاد رسم خطوط التجارة، وتُولد تحالفات غير تقليدية على أنقاض الصراعات القديمة.