قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. ثروت إمبابي يكتب: تنمية الثروة السمكية في مصر ودورها في تحقيق الأمن الغذائي

د. ثروت إمبابي
د. ثروت إمبابي

“علِّموا الرجل الصيد ولا تعطوه السمك” … حكمة قديمة تلخص فلسفة الاستدامة، وتعكس رؤية الإنسان منذ القدم بأن القيمة الحقيقية ليست في الحصول على الغذاء فحسب، بل في القدرة على إنتاجه باستمرار. وإذا عدنا إلى جذور الحضارة المصرية وجدنا أن الصيد كان جزءاً أصيلاً من حياة المصري القديم، فقد سجلت جدران المعابد مناظر الصيادين في النيل والبحيرات، مما يبرهن على أن السمك لم يكن مجرد غذاء، بل ثقافة وهوية ووسيلة للحياة.

اليوم، وفي ظل التحديات العالمية التي يواجهها الأمن الغذائي، يظل قطاع الثروة السمكية أحد الأعمدة الرئيسية التي تدعم قدرة مصر على توفير البروتين الحيواني منخفض التكلفة. فالأسماك تمثل خياراً غذائياً صحياً يناسب مختلف الشرائح الاجتماعية، خاصة مع الارتفاع الملحوظ في أسعار اللحوم الحمراء والدواجن. ومن هنا، يصبح التوسع في الاستزراع السمكي ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لضمان توازن غذائي آمن.

ولأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية وجهان لعملة واحدة، فإن الثروة السمكية ليست مجرد مصدر غذاء، بل أيضاً رافعة اقتصادية تفتح مجالات واسعة للتشغيل. في القرى والمدن المطلة على البحيرات الشمالية، وفي مجتمعات القناة وسيناء، يوفر الصيد والتربية السمكية فرص عمل لآلاف الأسر، ويخلق صناعات موازية في مجالات التعبئة والتبريد والتسويق. هذه السلاسل الإنتاجية المترابطة ترفع من قيمة المنتج وتجعله قادراً على المنافسة محلياً ودولياً.

وفي السنوات الأخيرة، أولت الدولة المصرية هذا القطاع اهتماماً خاصاً، تجلى في مشروعات قومية عملاقة مثل مشروع “غليون” للاستزراع السمكي، وتطوير بحيرة المنزلة، وإعادة تأهيل مسطحات مائية عانت لسنوات من التلوث والتعدي. هذه الجهود لم تقتصر على زيادة الإنتاج، بل سعت إلى استعادة التوازن البيئي وضمان استدامة الموارد المائية، وهو ما يعزز مكانة مصر كدولة تسعى للاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات.

ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تحتاج إلى حلول مبتكرة، مثل ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة، وغياب التدريب الفني الكافي لبعض صغار المزارعين، فضلاً عن ضرورة تشديد الرقابة على الصيد الجائر لحماية المخزون الطبيعي. هنا يبرز دور البحث العلمي في ابتكار أعلاف محلية بديلة، وتبني نظم الاستزراع المتكامل التي تمزج بين الإنتاج السمكي والزراعي بما يحقق أقصى استفادة من وحدة المياه.
ومن وجهة نظري، فإن نجاح تنمية الثروة السمكية لا يُقاس بعدد الأطنان المنتَجة فحسب، بل بمدى قدرتها على تحقيق العدالة الغذائية وتوفير بروتين آمن وصحي بسعر مناسب لكل مواطن. كما أن الاستثمار في العنصر البشري عبر برامج تدريب وتأهيل مستمرة هو الضمانة الحقيقية لاستدامة هذا القطاع الحيوي.

وفي الختام، يمكن القول إن الثروة السمكية في مصر تمثل خياراً استراتيجياً لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وما بين حكمة الأجداد ومشروعات الحاضر، تبقى مصر قادرة على تحويل مياهها إلى مصدر دائم للغذاء والأمان والتنمية المستدامة.