في تطور سياسي بارز، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الاثنين، عن خارطة طريق جديدة للسلام في قطاع غزة، مؤكّدًا أنّه "قريب جدًا" من إنهاء الحرب الدائرة منذ قرابة عامين والتي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين.
وجاء الإعلان خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، حيث جرى الكشف عن الخطة التي تضم 20 بندًا وتستهدف وقف القتال، إطلاق سراح الرهائن، ونزع سلاح حركة "حماس".

إطلاق الخطة وتفاصيلها الأساسية
أوضح ترامب أنّه سيمنح إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة عملياتها العسكرية إذا رفضت "حماس" المقترح أو لم تلتزم به. ووفقًا لمسؤول أمريكي، فقد أُبلغت قيادة "حماس" بالتفاصيل عبر مسؤولين رفيعي المستوى من قطر ومصر.
وكانت الخطة قد طُرحت لأول مرة على القادة العرب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي.
تتضمن الخطة وقفًا فوريًا للحرب بمجرد قبول الطرفين للمقترح، مع انسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط متفق عليها، وتعليق جميع العمليات العسكرية بما فيها القصف الجوي والمدفعي.
كما تنص على الإفراج عن جميع الرهائن الأحياء وتسليم جثث القتلى خلال 72 ساعة من توقيع الاتفاق، في مقابل إفراج إسرائيل عن 250 أسيرًا محكومين بالمؤبد و1700 معتقل من سكان غزة، بينهم جميع النساء والأطفال المحتجزين منذ هجوم 7 أكتوبر 2023.
الترتيبات الأمنية والإدارية
تشير الخطة إلى تشكيل "مجلس السلام" برئاسة ترامب وعضوية قادة دوليين من بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، للإشراف على المرحلة الانتقالية في غزة.
وستُدار شؤون القطاع من خلال لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية تتولى الخدمات اليومية للسكان، على أن تعمل الولايات المتحدة مع شركاء عرب ودوليين لإنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة (ISF) تتولى الانتشار الفوري في غزة ودعم الشرطة الفلسطينية، بالتعاون مع مصر والأردن.
وتؤكد الخطة أنّ إسرائيل لن تحتل غزة أو تضمها، وأن الانسحاب الإسرائيلي سيتم وفق معايير زمنية متفق عليها لضمان نزع سلاح الفصائل المسلحة ومنع تهديد أمن إسرائيل ومصر. كما تمنح عناصر "حماس" الذين يلتزمون بالتعايش السلمي ويوافقون على نزع سلاحهم عفوًا عامًا وخيارًا لمغادرة القطاع إلى دول تستقبلهم، لم تُحدد أسماؤها بعد.
إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية
تتضمن الخطة إنشاء "خطة ترامب للتنمية الاقتصادية" لإعادة بناء غزة وتنشيط اقتصادها من خلال لجنة خبراء ساهمت في تطوير مدن مزدهرة في الشرق الأوسط.
كما تُنشأ منطقة اقتصادية خاصة تقدم حوافز جمركية لجذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل. وتلزم الخطة إسرائيل بزيادة المساعدات للقطاع حتى في حال رفض "حماس" المقترح، على أن تتولى الأمم المتحدة والهلال الأحمر الدولي عملية توزيع المساعدات والإشراف على إعادة تأهيل البنية التحتية والمستشفيات وإزالة الأنقاض.
ردود الفعل والتحديات المتوقعة
رحّب نتنياهو بالمقترح لكنه شدد على أنّ إسرائيل ستواصل عملياتها العسكرية إذا رفضت "حماس" الخطة أو أخلّت ببنودها، معربًا عن تحفظه على بعض بنود الحكم المستقبلي للقطاع، خصوصًا ما يتعلق بدور السلطة الفلسطينية. وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء القطري أنّ إسرائيل لن تشن هجمات على قطر مستقبلًا، وهو بند أُزيل من النسخة النهائية للخطة.
وتقرّ الخطة بحق الفلسطينيين في السعي لإقامة دولة مستقلة باعتباره "طموح الشعب الفلسطيني"، لكنها لا تنص على اعتراف الولايات المتحدة بهذه الدولة. وتدعو إلى إطلاق حوار ديني لتعزيز التسامح بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتهيئة الظروف لتقرير المصير الفلسطيني في المستقبل.
خارطة طريق معقدة وفرصة تاريخية
تعكس خطة ترامب محاولة جريئة لإنهاء الصراع في غزة، إذ تجمع بين الترتيبات الأمنية والسياسية وخطط التنمية الاقتصادية، لكنّ نجاحها يبقى رهينًا بمدى قبول الأطراف المعنية والتزامها بالتنفيذ.
ويرى مراقبون أنّ المقترح يمثل أول اعتراف إسرائيلي علني بالانسحاب النهائي من أجزاء من غزة وتسليمها لقوة دولية، ما قد يشكل فرصة تاريخية لوضع حد للحرب المستمرة وإطلاق عملية إعادة إعمار شاملة تعيد الأمل لسكان القطاع.
ومن جانبه، حذّر الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، من أن تشكيل ما يسمى بـ"مجلس السلام" بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمثل محاولة لإعادة هندسة المنطقة لصالح المشروع الاستيطاني الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية تحت غطاء "السلام".
وأوضح الرقب في تصريحات لـ"صدى البلد" أن خطة ترامب في غزة، التي تضمّنت 21 بندًا، تتجاهل الضفة الغربية ووقف الاستيطان وحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، مشيرًا إلى أنها تعيد إنتاج "صفقة القرن" بصيغة جديدة.
وأشار إلى أن الخطة تسعى لفرض واقع يخدم الاحتلال عبر تشكيل كيانات محلية وظيفية شبيهة بـ"الصحوات العراقية"، مع دور متوقع لتوني بلير في تنفيذها، محذرًا من أنها تهدف لتحويل القضية الفلسطينية إلى ملف إداري واقتصادي بعيدًا عن أي حل سياسي حقيقي.