قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

اسم لن ينسى| قصة بطولة سامح تركي بعد ما لقي حتفه لإنقاذ ركاب ميكروباص المريوطية.. شقيق البطل وشهود عيان يتحدثون

سامح تركي
سامح تركي

في صباحٍ بدا عاديًا كغيره من صباحات الريف المصري، لم يكن أحد يتوقع أن يتحول طريق ترعة المريوطية بمركز البدرشين إلى شاهدٍ على واحدة من أكثر المآسي إيلامًا، وأصدق صور التضحية الإنسانية. دقائق معدودة كانت كفيلة بأن تقلب المشهد رأسًا على عقب، حين سقطت سيارة ميكروباص في مياه الترعة، حاملة معها أرواحًا بريئة، وموقدة في الوقت ذاته شرارة بطولة نادرة لشاب لم يتردد في مواجهة الموت لإنقاذ غيره.

بلاغ عاجل.. وبداية الكارثة

تلقت غرفة النجدة بمديرية أمن الجيزة، في الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين، بلاغًا يفيد بسقوط سيارة ميكروباص في مياه ترعة المريوطية بدائرة مركز البدرشين، مع وجود عدد من الأشخاص العالقين داخلها. وعلى الفور، انتقلت قوة من رجال الأمن إلى موقع الحادث، يرافقهم عدد من سيارات الإسعاف، وسط تجمع الأهالي والمارة الذين خيّم عليهم الذهول والقلق.

وبالفحص الأولي، تبيّن أن قائد الميكروباص فقد السيطرة على عجلة القيادة، ما أدى إلى انحراف المركبة وسقوطها بشكل مفاجئ في مياه الترعة، دون أن يمنح الركاب فرصة للنجاة أو حتى الاستغاثة.

لحظات رعب في ثوانٍ معدودة

بحسب روايات شهود العيان، سادت حالة من الفوضى عقب الحادث مباشرة، إذ حاول بعض المارة الاقتراب من المياه، بينما وقف آخرون عاجزين أمام سرعة التيار وصعوبة الرؤية داخل الترعة. كانت الأصوات تختلط بين صرخات استغاثة ودعوات مكتومة، في مشهد جسّد قسوة اللحظة وقلة الحيلة.

وفي تلك الثواني الحرجة، بدا واضحًا أن الأمر يتطلب شجاعة استثنائية، تتجاوز التفكير في الخطر أو العواقب.

تدخل الإنقاذ النهري.. وانتشال الضحايا

استعانت الأجهزة الأمنية برجال الإنقاذ النهري، الذين بدأوا عمليات التمشيط والبحث داخل مياه الترعة، في محاولة للوصول إلى ركاب السيارة. وبعد جهود مضنية، تمكنت فرق الإنقاذ من انتشال جثث ثلاثة أشخاص، لقوا مصرعهم غرقًا داخل الميكروباص.

وجرى نقل الجثامين إلى المستشفى تحت تصرف النيابة العامة، التي باشرت التحقيقات للوقوف على ملابسات الحادث، فيما تم تحرير محضر رسمي بالواقعة، تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

سامح سعد تركي.. حين تتجسد الشهامة في إنسان

وسط هذا المشهد القاسي، لم تكن المأساة وحدها هي العنوان، بل برز اسم الشاب سامح سعد تركي، الذي تحوّل في لحظات إلى رمزٍ نادر للبطولة الحقيقية. فبحسب شهود العيان، لم يتردد سامح لحظة واحدة، بل اندفع فورًا إلى مياه الترعة، محاولًا إنقاذ من تبقى داخل السيارة الغارقة.

لم يفكر في نفسه، ولم يتراجع أمام التيار القوي أو برودة المياه، بل واجه الموت بيديه العاريتين، مدفوعًا بنداء إنساني خالص، لا يعرف الحسابات أو الخوف. حاول بكل ما أوتي من قوة، لكنه دفع حياته ثمنًا لمحاولة إنقاذ غيره، ليرحل جسده، وتبقى سيرته شاهدًا على أن البطولة ما زالت ممكنة.

اسم لن يُنسى.. وبطولة بلا مقابل

لم يكن سامح يسعى إلى شهرة، ولا ينتظر تكريمًا أو ثناءً. كان تصرفه فطريًا، نابعًا من أخلاق راسخة وشهامة أصيلة. رحل في لحظة، لكنه ترك خلفه قصة ستُروى طويلًا، ودليلًا حيًا على أن الرجولة لا تُقاس بالكلمات، بل بالأفعال وقت الشدة.

سيظل اسم سامح سعد تركي محفورًا في ذاكرة أهالي المنطقة، ورمزًا للإنسان الذي قدّم حياته فداءً لغيره، دون أن يلتفت إلى العواقب.

شقيقه يكشف ملامح الإنسان قبل البطل

وفي تصريحات مؤثرة، تحدث محمد تركي، الشقيق الأكبر للراحل، عن أخيه بكلمات امتزج فيها الحزن بالفخر. وقال:
«سامح كان فطريًا، محترم جدًا، ومعاملته طيبة مع كل اللي حواليه. اللي عمله مش غريب عليه».

وأضاف أن سامح سبق له التدخل في مواقف مشابهة من قبل لإنقاذ أشخاص دون تردد، مؤكدًا:
«دي مش أول مرة، سامح كان دايمًا ينزل يساعد وينقذ الناس، ربنا يرحمه ويصبرنا».

سيرة قصيرة.. وقيم لا تموت

أكد شقيقه أن سامح كان شابًا ملتزمًا، يتمتع بسيرة طيبة وأخلاق عالية، لا يدخن ولا يتعاطى أي سلوكيات خاطئة، وكان حريصًا على ممارسة الرياضة والالتزام بنمط حياة صحي. كما أشار إلى أن الفقيد كان متزوجًا ويعول ثلاثة أطفال (بنت وولدين)، تركهم خلفه وهم في أمسّ الحاجة إلى حضن الأب الذي اختار التضحية بحياته من أجل الآخرين.

وداع يليق ببطل

أوضح أصدقاء الراحل أن جنازته ستُشيع اليوم الإثنين الموافق 29 ديسمبر 2025، عقب صلاة الجنازة في تمام الساعة الثامنة من مسجد المقابر بالعجزية، على أن يُوارى جثمانه الثرى بمقابر العجزية، وسط حالة من الحزن العميق بين الأهالي.

 

حادث ترعة المريوطية سيظل فاجعة موجعة في ذاكرة البدرشين، لكنه حمل في طياته درسًا إنسانيًا نادرًا. رحل سامح جسدًا، لكنه بقي حيًا في القلوب، شاهدًا على أن الشهامة والتضحية لم تغادرا هذا الوطن.