وسيط أوروبي يتوجه إلى شرق أوكرانيا لإقناع الانفصاليين بالاستسلام

توجه وسيط من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى شرق أوكرانيا يوم السبت في مسعى لحمل الانفصاليين المؤيدين لروسيا على الاستسلام بعد أن أعلنت حكومة كييف هدنة خلال عيد القيامة في أعقاب اتفاق سلام مع موسكو.
ويرفض المسلحون الذين يحتلون المباني الحكومية في دونيتسك وغيرها من البلدات الحدودية الناطقة بالروسية الاعتراف باتفاق أبرم في جنيف يوم الخميس اتفقت فيه روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على أن تشرف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على نزع سلاح الانفصاليين وإخلاء المنشآت المحتلة والشوارع.
وقد تحدد الأيام المقبلة إن كان من الممكن احتواء الاضطراب الذي أعقب الاطاحة بالرئيس المدعوم من موسكو فيكتور يانوكوفيتش.
وتنفي روسيا -التي ضمت شبه جزيرة القرم لأراضيها الشهر الماضي في أسوأ أزمة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة - أن يكون لها سيطرة على الانفصاليين أو أنها تخطط لغزو أوكرانيا. وهددت القوى الغربية بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية إذا لم تضغط موسكو على الانفصاليين للاستسلام.
وقال إرتوجرول أباكان الذي يقود البعثة الخاصة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن نائبه سيكون في دونيتسك يوم السبت وسيجتمع مع زعماء الانفصاليين بحلول الأحد ليرى إذا كانوا سيمتثلون للاتفاق.
وقال المبعوث السويسري كريستيان شونينبرجر الذي ترأس دولته منظمة الأمن والتعاون في اوروبا في أعقاب اجتماع في العاصمة الأوكرانية مع دبلوماسيين من الأطراف الأربعة في اتفاق جنيف إن مراقبي المنظمة تحدثوا مع عدد من النشطاء.
وقال "في الوقت الراهن لا توجد إرادة سياسة للرحيل."
وأضاف للصحفيين " هذه مهمةالمراقبين.. أن يوجدوا هذه الإرادة السياسية وأن يبلغوا الناس حتى يدركوا في نهاية المطاف أن الخيار الأمثل أمامهم هو الرحيل."
وقال وزير الخارجية الأوكراني أندريه ديشيتيا عقب الاجتماع إن مسؤولي منظمة الأمن والتعاون والسلطات المحلية في شرق البلاد سيعملون على "تحديد اجراءات عملية لتنفيذ اتفاق جنيف خلال اليوم أو اليومين المقبلين." وكان ديشيتيا حذر أمس الجمعة من اتخاذ "مزيد من الإجراءات الملموسة" لانهاء الأزمة إذا لم يرحل الانفصاليون خلال عطلة عيد القيامة.
وفي دونيتسك جدد زعماء الانفصاليين دعواتهم لإجراء استفتاء قد يؤدي لضم المركز الصناعي لأوكرانيا إلى روسيا. لكن استطلاعا أجراه أحد المعاهد في كييف أشار إلى وجود أغلبية لا تفضل حكم موسكو رغم الشكوك الكبيرة بين الناطقين بالروسية تجاه القيادة الجديدة في كييف.
ولم تبد الحكومة الأوكرانية أي مؤشر يذكر على محاولة استعادة نحو 12 من مجالس البلدية وأقسام الشرطة ومواقع أخرى سيطر عليها الانفصاليون في الاسبوعين الماضيين رغم اعلانها عن بدء عملية "لمكافحة الإرهاب".
ووعدت وزارة الخارجية الأوكرانية "بتعليق المرحلة النشطة من عملية مكافحة الإرهاب" ضمن قائمة من المبادرات الحكومية صدرت في وقت متأخر يوم الجمعة لنزع فتيل الأزمة. وقالت متحدثة باسم جهاز أمن الدولة (اس.بي.يو) اليوم السبت إن التعليق "مرتبط بتطبيق اتفاق جنيف وعطلات عيد القيامة."
وبررت الحكومة عدم اتخاذ اجراء ملحوظ بخلاف إقامة نقاط تفتيش أمنية بأنها لا ترغب في إيذاء المدنيين. وقد يؤدي هذا لاستفزاز روسيا التي قد تنفذ تهديدها بالتدخل إذا أريقت أي دماء روسية. لكن نقص الموارد والتدريب يساعد أيضا في تفسير حالة التردد. واستولى مسلحون على ست مركبات مدرعة من الجنود الأوكرانيين الاسبوع الماضي.
وقال أحد المسلحين الملثمين الذين يحرسون المقر المحتل للحكومة الإقليمية في دونيتسك " إعلان هدنة خلال عيد القيامة قد ينم عن نوايا طيبة أو ربما عن عجز كييف الكامل."
وأضاف "إذا كان الأمر عجزا فقد ربحنا. إذا كانوا يستعدون لاستفزازنا فسنرد عليهم بقوة."
وقتل عدة أشخاص بسبب أعمال عنف الاسبوع المنصرم. وقتل جندي في دونيتسك يوم السبت فيما وصفته وزارة الدفاع بأنه حادث.
وبعد أسابيع من الاتهامات المتبادلة أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم السبت إلى امكانية تحسين العلاقات مع الغرب لكنه أوضح أن الأمر يعتمد على تنازلات من خصومه في الأزمة المتعلقة بأوكرانيا.
وقال بوتين في حديث رحب فيه بتعيين أمين عام جديد لحلف شمال الأطلسي سيبثه التلفزيون الروسي في وقت لاحق اليوم "أعتقد أنه لا يوجد ما يعوق التطبيع والتعاون الطبيعي (مع الغرب)..لا يعتمد هذا علينا أو بالأحرى ليس علينا فقط. هذا يعتمد على شركائنا."
ولم يحدد بوتين ما يأمل أن يقوم به الغرب.
وأوضح مسؤولون بإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الجمعة أن على روسيا أن تقنع المتعاطفين معها في أوكرانيا بانهاء اعتصاماتهم خلال أيام وإلا ستواجه عقوبات اقتصادية أشد وطأة من الاجراءات المحدودة التي فرضت عليها بعد سيطرتها على شبه جزيرة القرم.
وتقول موسكو إن مصلحتها تقتصر على حماية حدودها وحماية الناطقين بالروسية في أوكرانيا من "الفاشيين" وغيرهم الذين أطاحوا بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش في أعقاب احتجاجات استمرت لأشهر بسبب رفضه تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذان يدعمان السلطات الجديدة في كييف عقوبات محدودة على مسؤولين روس بسبب ضم جزيرة القرم لكنهما يسعيان لايجاد سبيل مشترك لدرء ما يرونه رغبة موسكو في إحياء امبراطوريتها السابقة.
وكثيرا ما شكت روسيا من توسيع حلف الأطلسي لعضويته لتضم دولا بشرق أوروبا كانت تدور في فلك موسكو إبان الحرب الباردة وتعزيز علاقاته بالجمهوريات السوفيتية السابقة مثل جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا. وتعتبر روسيا ذلك نهجا عدائيا من الحلف لتقويضها.
ولعل ازدراء الغرب لكفاح روسيا على مدى سنوات لاستيعاب آثار انهيار الشيوعية هو السبب وراء مطالب بوتين بمعاملة موسكو باحترام وهو أمر يحظي بتأييد بالغ بين الروس.
ورد المتحدث باسم بوتين يوم الجمعة على تهديدات واشنطن بفرض عقوبات قائلا إنها تعامل روسيا مثل "تلميذ مذنب".
وقالت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي "نعتقد أن روسيا لها نفوذ كبير على تحركات المشاركين في أنشطة زعزعة الاستقرار."
وأضافت "إذا لم نر تحركا يتوافق مع الالتزام الذي تعهدت به روسيا... في جنيف ... فمن الواضح أننا وشركاءنا الاوروبيين .. لا نزال مستعدين لفرض ثمن إضافي على روسيا."
وأضافت "قد يشمل هذا الثمن والعقوبات استهداف كل القطاعات المهمة للاقتصاد الروسي."
ولم تحدد واشنطن أي عقوبات إضافية قد تفرضها على روسيا. وإلى جانب الاتحاد الأوروبي فرضت واشنطن بالفعل قيودا على تأشيرات السفر وجمدت أموال عدد صغير من الروس وهو رد فعل قوبل بالسخرية في موسكو.
لكن بعض الدول الأوروبية ليست مستعدة لاتخاذ مزيد من الاجراءات خشية أن يستفز ذلك روسيا بشكل أكبر أو ينتهي بها الأمر للإضرار باقتصاداتها التي تعتمد بقوة على الغاز الروسي.
وهناك نقاط كثيرة مجهولة تكتنف الوضع. وقد لا يكون هدف بوتين النهائي هو ضم المركز الصناعي لأوكرانيا على غرار ما حدث في القرم رغم تصريحه يوم الخميس بأن ما يعرف الآن بشرق وجنوب أوكرانيا كان يعرف باسم روسيا الجديدة في عهد القياصرة.
وينفي الكرملين أي طموح للسيطرة على أراضي في أوكرانيا. ويعتقد كثير من المحللين أن بوتين يسعى أساسا للتأثير على الأحداث في أوكرانيا ليضمن نتيجة جيدة في الانتخابات التي تجرى الشهر القادم بعد خسارة يانوكوفيتش حليف روسيا السلطة هناك.
ويثير ذلك بدوره تساؤلات تتعلق بدور أثرياء رجال الأعمال في أوكرانيا في الأزمة وفي الانتخابات.
وتروج نظريات المؤامرة في كييف بأن الأغنياء وأصحاب النفوذ ربما يعملون على إذكاء الاضطرابات من وراء الكواليس لتعزيز أهدافهم الخاصة أو لكسب ود بوتين الذي يتمتع بسيطرة كبيرة على المصالح الاقتصادية لأقطاب الأعمال الأوكرانيين في روسيا.
وتبذل الحكومة الأوكرانية جهودا مضنية لإظهار استعدادها للاستجابة لمطالب الشعب في شرق البلاد بالحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي والحق في استخدام اللغة الروسية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لانتخاب رئيس جديد خلفا ليانوكوفيتش هناك أيضا حاجة لإقناع الأوكرانيين بأن حالة الفساد الهائل وسوء الإدارة الاقتصادية على مدى 23 عاما في ظل القيادات السابقة لابد أن تنتهي بما يمنح البلاد مستقبلا أفضل.
ووجد استطلاع للرأي أجراه المعهد الدولي لعلم الاجتماع في كييف لحساب صحيفة زيركالو نيديلي أن أقل من ثلث السكان فقط في منطقتي دونيتسك ولوهانسك في أقصى شرق أوكرانيا يقولون إنهم سيصوتون لصالح الانضمام لروسيا وأن أقل من ربع السكان قالوا أنهم يؤيدون احتلال المباني العامة في مناطقهم على أيدي مسلحين.
ومع هذا فإن هناك تخوفا من القوميين الأوكرانيين "الفاشيين" في كييف وتسود مخاوف على نطاق واسع من البطالة في المناجم والمصانع.
وقالت نينا نيبيسنا (30 عاما) وهي أم لطفلين كانت في طريقها إلى استاد دونيتسك لمشاهدة مباراة في كرة القدم المحلية "فقدت عملي في فبراير عندما بدأت كل هذه الفوضى في كييف."
وأضافت "الآن لا استطيع العثور على عمل في أي مكان... لا اعترف بالمجموعة التي استولت على السلطة في كييف." وقالت عن المتشددين المحليين "هؤلاء الصبية يدافعون عن حقوقنا."
لكن عامل المناجم في دونيتسك ميخائيل بيلوجوروف (55 عاما) قال إن تحرك البرلمان في كييف بعد الإطاحة بيانوكوفيتش لتقييد حقوق المتحدثين باللغة الروسية كانت خطوة "غبية حقا" مشيرا الى أن "السلطات في كييف يتعين عليها توجيه مزيد من الاهتمام لنا."
ومع ذلك شكك بيلوجوروف في أهداف الانفصاليين المؤيدين لروسيا. وقال "لا نعرف من هم هؤلاء الموجودين في المباني... ولا نعرف ماذا يريدون."