الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من الشعبنة إلى الأرتجة والتأكيك !!


إذا أردت أن تقضى على المستقبل إجعل الحاضر يتحدث بلغة تختلف عن لغة الماضى ..
الفجوة الحضارية بين مصر وبين اليابان و أوروبا وأمريكا تساوى مسافة الإنفصال الحضاري بين مصر اليوم ومصر القديمة والسؤال : لماذا انقطع هذا لإتصال بين مصر الحاضر و مصر قدماء المصريينالذين نفخر بعرض أثارهمأمام العالم ونفتخر بالإنتساب لهم كلما ذكرهم الذاكرون ، ومع ذلك - و برغم أُبهة الاثار و على عكس الامم الاخري- لا تستطيع فى تاريخ مصر القديم أن تخرج بقصة تاريخية واحدة مدققة و كاملة ، فالتفسيرات أغلبها ظنية إحتمالية أو مبهمة فى كثير من جوانبها أو ناقصةأو مغلوطة أو مدسوسة و برغم أن تاريخنا القديم مصور و منقوش باللغات المصرية الثلاثة (الهيروغليفية و الهيراطيقية و الديموطيقية) وهذا ما لم يتوافر للامم الأخري إلا أننا مازلنا في تخبط حتى بعد أن تم اكتشاف مفاتيح اللغات المصرية .، مازالت الثقافة القديمة لغزًا محيرًا ،لأن الكتابةالنصية قد تنقل لنا بعض الأشياءلكن معايشة اللغة والتواصل المضطرد عبر الزمن دون انقطاع ينقل أعماق وجوهر تلك الأشياء وبالتالى أستطيع أن أقول أن جوهر الثقافة الحقيقية للمصريين القدماء مازال مجهولًاتماما للمصريين المعاصرين وسيظل مجهولًا و، مهما وصلنا من كشوف فى علوم المصريات سيظل تاريخ مصر القديم ملهاة تلخصها صورة مومياء الجد وصورةالحفيد الذى مازاللا يعرف أسرار التحنيط ، أو هرم تم بناؤه فى الماضي السحيق ولا أحد يعرف كيف حدث ذلك إلا ظنًا .
إذا قلنا أن اللغة الجيرجورية أو الإغريقية هى سر تلك النكبة التاريخية غير المسبوقة أو ما أسموها اللغة القبطية كما زعموا والتى هي خليط من الحروف الإغريقية التى تم فرضها قسرًا على المصريين بمعرفة البطالمة المحتلين كبديل للكتابات الثلاث القديمة (المصرية) بواقع 24 حرف إغريقي وسبعة حروف ديموطيقى صوتي ،،
هذه التكوينة الإغريقية استمرت كلغة الدولة والحكم البطلمى على مدار 700 عام متصلة وأصبحت اللغة المعتمدة فى مصر رسميا ودينيا ، وبذلك أصبحنا أمام مصرالإغريقية المنفصلة تماما عن الماضى المصري وهذا الأمر غير شائع الحدوث فى العالم فالكتابة قد تتطورإضافة أو حذفا ولكنها عندما تستبدل بالكامل يتحول متحدثي اللغة القديمة وتاريخهم وثقافتهم وكل ما تركوه من تراث إلى غموض ومتاهة فبدون أى تدرج زمني بين الأجيال المتعاقبة يسقط التواصل المعرفى ويصبح على أصحاب اللغة الجديدة أن يبدأو من جديد .
تكرر ذلك مع مصر بعد ذلك مرة اخري فى عصور الصراع العربي الروماني واحتل العرب مصر بعاداتهم ودينهم وثقافتهم و لغتهم وأصبحت الكتابة باللغة العربية هى اللغة الرسمية لمصر فيما يزيد عن ألف وربعمائة عام ، ناهيك أنها لغة القرآنوهكذا بدأ المصريون من جديد ثم جاء الاتراك فى محاولة لتتريك اللغة المصرية العربية لنبدأ من جديد مرة أُخري ثم إلى عصر *الشعبنة الذى مهد إلى *تأكيك و *أرتجة اللغة،لننعزل تماما عن ماضينا ليس بحاجز اللغة فحسب ولكن بحاجز السوقية التى ستقف حائلا بيننا وبين ما قد نكون حصلناه فى مصر من عهد عمرو بن العاص إلى اليوم ، فاللغة بوتقة الحضارة إن سقطت سقط ما فى أمعائها وضاعت بوصلة الأمة ... وبالعودة للتاريخ المصري القديم نجد أنه قد صار بيننا وبينه حوائط ثقافية مرتفعة تفصلنا عن الأجداد القدماء وما تركوه من علم و حكمة لنعيد اليوم اكتشاف ما قد تم اكتشافه منذ الاف السنين ،ومع بداية التعرف على رموز اللغة بالمصادفة على يد شامبليون فى القرن الثامن عشر الذى عرف أسرار الكتابة المصرية وحتى علماء المصريات مرورا بالجيل الجديد في هذه العلم في القرن التاسع عشر و أهمهم الفرنسيان ايمانويل دي روج(1811-1872) و أوجست ماريت (1821-1881) والألمانيان ريتشارد لبسيوس (1810-1884) و هينريش بروجش (1827-1894). حيث استطاع لبسيوس أن يؤسس أول معهد ألماني لدراسة علم المصريات في جامعة برلين في عام 1842 ليقوم برئاسة هذا المعهد، واستطاع في العام ذاته أن يقنع الملك فريدريش ويليام الرابع بتمويل أول حملة ألمانية اكتشافية علمية لمصر. كما نجح لبسيوس بعد عودته إلى ألمانيا في عام 1845 في القيام بنشر سلسلة كتابه الشهير " آثار مصر وإثيوبيا" والمكون من أجزاء عديدة تصف معظم آثار مصر من شمالها لجنوبها. أما بروجش فقد اقتفى أثر شامبليون في دراسة اللغة المصرية القديمة ليقوم بتسجيل العديد من النصوص من معابد مصر الفرعونية ،في العصور المتأخرة.
تحرك علم الإيجيبتولوجي فى معاهد وجامعات أوروبا وأمريكا طولا وعرضا وأصبح شأن وإهتمام غربي صرف لا يقل عندهم عن علوم الفضاء والذرة ، ومع ذلك وبرغم التدقيق والعلم والتقدم الغربي فى وسائله إلا أنى لا أرحب بأن يكتشف لنا التاريخ إلا علماء مصريين من باب أنى لا اثق فى أمانة الغرب فمبادراتهم المبكرة وسوابقهم التأريخية تؤكد أنهم عزلونا عن تاريخناالصحيح ابتداء ثم أضافوا إلى عزلتنا عن تاريخنا عزلةأخرى بنشرهمخرافات هيرودوت واستبعاد تأريخ مانيتون المصري ، برغم أن مانيتون مؤرخ وليس رحالة مثل هيرودوت المغامر الإغريقي الذى لم يذكر شيئا عن أبو الهول فى كتبه . وبرغم علم مانيتون باللغات المصريةالهيروغليفية و الهيراطيقية الديموطيقية التى يجهلها مؤرخي البطالمة بما فيهم هيرودوت إلا أن كتبه والتاريخ الصحيح الذى دونه اختفت أو أحرقت مع مكتبة الإسكندرية واستبدل بخرافات المؤرخين البطالمة مثل هيرودوت وشواهده الخيالية عن المصريين أو حقيقتهم المؤقتة فى وقت تدهورهم واعتبار ذلك التدهور هو سمة التاريخ المصري ،مؤكدا فضل المكان على الإنسان بمقولة مصر هبة النيل والتى اقتبسها من المؤرخ هيكاتية المالطى و إذا اضفت لهم بلوتارك وتيودور الصقلي لوجدت أن ما يجمعهم إلا الجهل التام باللغات المصرية وتاريخ مصر ،وفى النهاية أود كما وعدت القارىء العزيز أن أجيب على اتهام هيرودوت بأن مصر هبة النيل بغض النظر عن أنه سارق لهذا التعبير المحبط والذى تحول اصطلاحيا إلى معنى أخر اكثر إحباطا على لسان جمال حمدان عندما تحدث عن عبقرية المكان، ونسي عبقرية الإنسان ،فمصر هبة المصريين والدليل على ذلك أن العالم تجرى فيه ألاف الأنهار ومع ذلك لا توجد سوى مصر واحدة لو كانت مصر هبة النيل حقا فلماذا تذهب هذه الهبة فى عصور الإنهيار والإضمحلال ولماذا تعود رغم أن نهر النيل لم يتوقف عن الجريان منذ أن خُلقت الارض وما عليها وبناء عليه أرىأن هذه الرسالة ما هى إلا رسالة إحباط وإجهاض للماضى فى رحم المستقبل فمصر هبة المصريين وستظل هبة المصريين.


.......
الارتجة والتاكيك : نسبة إلى أوكا و أورتيجا
والشعبنة : نسبة إلى شعبان عبد الرحيم
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط