الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أسامة الزغبي يكتب... هوارد كارتر

صدى البلد

مرت فى الثانى من مارس ذكرى وفاة مكتشف أثرى عظيم , كان له الفضل فى الكشف عن المقبرة الفرعونية الوحيدة التى لم تمتد إليها يد اللصوص وبالتالى احتفظت بكامل محتوياتها , ومع الوقت أصبح هذا الكشف هو الأعظم فى تاريخ مصر وربما فى تاريخ البشرية كما يرى الكثير من الأثريين. إنه الإنجليزى هوارد كارتر الذى ولد فى عام 1874, وكان ترتيبه الحادى العشر و الأخير بين إخوته و بسبب اعتلال صحته قرر والديه إرساله إلى سوافهام كى يقيم مع عمتيه كات و فانى كارتر.

سيكون لإهتمام والده وعمتيه بالفن والرسم تحديدا الأثر الأكبر فى عشق الطفل هوارد لهذا الفن, حيث إجتذبت شهرة والده فى الرسم اهتمام عائلة أمهرست الأرستقراطية و التى كان لديها اهتمام كبير بالفن المصرى ولهذا كانت تقوم بتمويل بعض الإكتشافات الآثرية بمصر بقيادة الآثرى البريطانى بيرسى إدوارد نيوبرى, وبالتالى عندما يطلب الأخير من السيدة الأرستقراطية أمهرست رساما لنسخ بعض المناظر فى مقابر بنى حسن بالمنيا, يتقدم الشاب هوارد ذو السبعة عشر ربيعا فى ذلك الوقت لشغل هذه الوظيفة. تطأ أقدام كارتر مصر لأول مرة عام 1881, ومع الوقت تجذب جودة رسوماته اهتمام الآثري البريطانى المعروف فلاندرز بترى المُلقب بعميد الأثريين الإنجليز وبالتالى يسند إليه بعض الأعمال المشابهه لما قام به فى المنيا, فى معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحرى فى الأقصر, وهناك سَينجذِب كارتر أكثر إلى عالم الأثار المصرية و الإكتشافات.

مرة أخرى, تلفت جودة رسوماته نظر الأثرى الفرنسى المعروف جاستون ماسبيرو والذى كان يشغل منصب مدير مصلحة الأثار المصرية حينئذ و بالتالى يقوم بتعيينه مديرا لأثار مصر العليا و النوبه وهو العمل الذى سيمنحه فرصة عظيمة للإقتراب أكثر من تاريخ مصر القديم ومن خلاله سيقوم بالإشراف على ترميمم معابد طيبه وإدفو وكوم أمبو وكذلك إنارة معبد أبوسمبل لأول مرة منذ أكتشافها فى بداية القرن التاسع عشر على يد الإيطالى بلزونى. تمكن كذلك من إقناع الثري الأمريكى تيودور رد ديفز بتمويل بعض الإكتشافات بالأقصر و التى من خلالها تمكن من اكتشاف مقابر أوسرحات وتحتمس الرابع.

تم ارساله فى 1903 الى سقارة كمفتش عام على مصر الوسطى و الدلتا, ولكنه سيستقيل سريعا من هذا المنصب بسبب رفضه لممارسات بعض السائحين الفرنسيين فى إحدى مقابر سقارة ـ السرابيوم ـ أثناء احتسائهم للخمر وقرر طردهم بل وأوعز الى حرس المكان بضربهم , فمارس القنصل العام الفرنسى بمصر ضغوطا هائلة أدت الى تقديمة للاستقالة.

بعد تقديمة للإستقالة وحتى عام 1906 عمل بالرسم وتجارة الآثار وكذلك تُرجمانا للسائحين, ثم استعادهُ الثرى الأمريكى دايفز مرة أخرى كى يرسم له مكونات مقبرة تويا ويويا التى كان قد اكتشفها الأخير بوادى الملوك. فى هذة الأثناء أظهر كارتر لأول مرة اهتماما بفرعون تم ذِكره مرات قليلة على قطع الخزف الأرزق(الفاينس) وهو الفرعون توت عنخ أمون.

سَيظل التفكير بتوت عنخ أمون هو شغله الشاغل حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى فى 1914 والتى ستُجبره على الإنضمام لمكتب المخابرات البريطانية بالقاهرة. فى بداية عام 1918 يعاود بحثه عن مقبرة توت عنخ أمون بمساعدة مادية من اللورد الإنجليزى كارنافون وابنته الليدى إيفيلين التى قيل أنها وقعت فى غرام كارتر, الى أن تمكن من اكتشاف أولى درجات السلم المؤدى للمقبرة فى 5 نوفمبر عام 1922 , قاده السلم إلى باب المقبرة والذى لم يكن قد فُتح من قبل و كان عليه 6 أختام بيضاوية , خمس منها تحمل إسم الملك الشاب , وفى وقت قصير ذاع خبر الإكتشاف فى العالم وأضحى أهم إكتشاف فى تاريخ علم المصريات وربما الإكتشاف الأهم فى العالم.

ظل كارتر لمدة 10 سنوات لاحقة على الإكتشاف بمعاونة فريق كبير من المتخصصين فى ترتيب القطع التى تم العثور عليها والتى بلغ عددها 5000 قطعة يزينها القناع الذهبى والذى يعد أعظم القطع الآثرية بالعالم وفخر قطع المتحف المصرى بالقاهرة, ولكن بعد إنتهاء هذة المهمة العظيمة و بسبب النسيان الذى تعرض له بعد عقد كامل من شهرة طاغية حصل عليها بسبب الإكتشاف , وقع أسيرا لإكتئاب حاد انتهى به للعمل فى تهريب الأثار وكذلك تُرجمانا للسائحين مرة أخرى. ومن القصص الطريفة و المعبرة عن الروح الوطنية الكبيرة التى أحيتها ثورة 1919 فى نفوس المصريين هى قصة الزعيم الكبير سعد زغلول مع كارتر عندما وجده يتعامل مع المقبرة كما لو كانت ملكية خاصة فأرسل له يُبلغة بلغة صارمة أن المقبرة مِلك مصر مما استعدى عليه الصحافة البريطانية ولكن لم يعبأ الزعيم بكل هذا وقرر غلق المقبرة وتعيين حراسة مصرية عليها.

موقف وطنى أخر عظيم من مرقص حنا باشا الذى قرر طرد كارتر من مصر لمنع الأخير بعض المصريين من زيارتها والطريف فى هذه القصة خروج مظاهرات مؤيدة لموقف الوزير المصرى هاتفه" يحيا وزير توت عنخ امون" مما دعا كارتر فى النهاية للرضوخ لشروط الحكومة المصرية. ولكن يظل ما قاله توماس هوفنج مدير متحف المتروبوليتان فى نيويورك بأن المُكتشف هوارد كارتر سرق من المقبرة 29 قطعة نادرة من آثار توت عنح آمون موجودة فى أربعة متاحف أمريكية، عشرون منها فى متحف المتروبوليتان وحده والبعض بمتحف بروكلين ومتحف كانساس سيتى ومتاحف أخرى, لعزًا كبيرا وسؤال يتعين على الأثرين المصريين سبر أغواره.

كذلك تحدث هوفنج فى كتابه المُعنون ( توت عنخ آمون القصة الخفية ) عن مناقشة حادة بين كارتر ونائب القنصل البريطانى حينذاك واشارته له بوجود بردية لم يكشف عنها، تقدم الحقائق وتكشف مسالة خروج اليهود من مصر ، مؤكدا أن هذه البردية التى هدد بنشرها, احتوت على معلومات غاية فى الخطورة والحساسية وتُظهٍر العلاقة المحتملة بين إخناتون أول داعية للتوحيد وموسى عليه السلام صاحب الشريعة اليهودية والذى قاد اليهود في خروجهم من مصر وخطورة هذه التهديد هو أنه كان يتزامن مع تورط بريطانيا فى مسألة توطين الصهاينة فى أرض فلسطين.

وتنتهى حياة كارتر فى 2 مارس عام 1939 بأزمة قلبية ويُدفن مقبرة متواضعة فى بوتنى فال بلندن. ويُكتب على قبره إقتباس من إحدى قطع مقبرة توت عنخ أمون وهى" لتعش روحك للأبد, أنت يا من تحب طيبة, لتعش ملايين السنيين, يستقبل وجهك ريح الشمال وتملا السعادة عينيك"