قصة «مسيحي» عمل أستاذاً لتدريس التاريخ الإسلامي .. واتهمه البعض بتشويه صورة هارون الرشيد
«أمر غير معقول فكيف للفتي المسيحي أن يكتب عن الإسلام كما لم يكتب غيره ولا حتى المنتمين للدين بهذا الإنصاف والتعقل» ربما تكون الجملة التي يمكن أن تقولها بمجرد قراءة كتاب عن الإسلام للكاتب جورجي زيدان لكنه فعل ذلك كأحد أفضل من كتب عن الإسلام وتاريخه بل ودرسه أيضًا دون أن يترك دينه الأصلي كمسيحي مؤمنًا بأن الأديان جميعها واحد.
لأسرة مسيحية فقيرة تعيش في عين عنب بجبل لبنان تسعى للحصول على قوت يومها لكنها لم تقصر أو تبخل أبداُ على ابنها بالتعليم فأرسله الوالد لتعلم القراءة والحساب لكنه تفوق على الجميع ولم يكتفي بما يتم تعليمه له فقط وهو ما شجع والده لإرسالة لمدرسة الشوام حتى تعلم الفرنسية ومن بعدها الإنجليزية.
لم تتح الظروف لجورجي مزيدًا من التعلم بسبب الحالة المادية لأسرته فبدأ العمل في مطعم والده ثم تعلم كيفية "صناعة الأحذية" واستمر بها لعامين كاملين لكنه كان متذمرًا يحب التعلم متعلقًا بالأدب والعلم، فتركها والتحق بالكلية إلى أن قرر أخيرًا القدوم إلى مصر لاستكمال دراسة الطب ليفتح أمامها مجالات جديدة.
ظل جورجي شغوف بالأدب والكتابة إلى أن حظي بفرصة للعمل في جريدة "الزمان" مستعينًا بإتقانه اللغة الغرنسية والإنجليزية ومن بعدها عمل بمكتب المخابرات البريطانية بالقاهرة ثم عاد لبيروت ليتعلم السريانية منها إلى لندن ثم عاد ليقرر أخيرًا أن يستقر في مصر التي فتحت الباب أمامه نحو التعلم والكتابة والتأليف والترجمة.
مسيحيه لم تكن عائقًا أمامه لتعلم الدين الإسلامي والكتابة عنه هو نفسه يري أن التاريخ الإسلامي لا يمكن تجاهله في ظل العيش بدولة مسلمة تنظر لتاريخها بإعجاب فبدأ في دراسته وتدريسة في العالم كله وأهلته معرفته هذه لإنتدابة لتدريس مادة التاريخ الإسلامي في الجامعة الإسلامية فور إنشائها 1908.
كان البعض يراهن على أن كتابات جوجي زيدان تؤكد أنه أشهر إسلامة فكل ما بها من حيادية وإنصاف تؤكد ذلك لكنه خرج يؤكد بقاءه على دينه مسيحيًا وأن حبه للتاريخ الإسلامي لا يعني أنه دخل الإسلام، ومع ذلك فقد عاني أيضًا من إتهام البعض له بتشوية الإسلام بسبب مزجه للحب والرومانسية بها.
وأتهم جورجي بتشوية صورة هارون الرشيد وجرح فيها بأخته العباسة بنت المهدي ، وهو ما نفاه ودافع الكثير عنه إلا أن ذلك لم يمنع الإتهامات عنه ليصبح بذلك متهمًا في مسيحيته وإسلامه.
المرحلة الفارقة في تاريخ جورجي زيدان كانت إصراره على تأسيس مجلة "الهلال"والتي صدر العدد الأول منها عام 1892 فعمل كرئيس تحريرها لمدة 5 سنوات صارت فيها الأوسع إنتشار بفضل كتاباته في الفكر والأدب بل استقدم أحمد زكي وحسين مؤنس وعلى الراعي وصالح جودته ليعملوا في الجريدة ويتولوا رئاسة التحرير.
أما أشهر مؤلفات زيدان فكانت "العرب قبل الإسلام، تاريخ التمدن الإسلامي، تاريخ الماسونية العام"، ومن رواياته "فتاة غسان، عذراء قريش" وغيرهما من عشرات المؤلفات التي عشقها زيدان حتى مات فجأة بين كتبه وأوراقه ومؤلفاته عام 1914 في مثل هذا اليوم.