الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هو احنا عندنا لمؤاخذة "عِلم" ؟!


من يشاهد فيلم " غزل البنات" الذي جسد فيه الفنان الراحل المبدع " نجيب الريحاني دور الأستاذ حمام الذي كان يعمل " معلم " ، يدرك للوهلة الأولى الحالة المزرية لأوضاعنا العلمية والتعليمية التي جسدها الفيلم والتي تعكس واقع التعليم والعلم في مجتمعاتنا العربية وفي مصر بشكل خاص.

أظهر الفيلم الفنان نجيب الريحاني بملابسه الباليه وهندامه المهترئ وحذائه التي جار عليها الزمن وراتبه البخس الذي تفوق عليه في هذا الراتب بأضعاف مضاعفة "الشغالين" الذي يعملون عند الباشا من أول القهوجي إلى مربي الكلب ، لدرجة أن نجيب الريحاني الذي كان يقوم بدور الأستاذ حمام الذي سيدرس لبنت الباشا اغتر في منظر ووجاهة مربي الكلب وظن أنه " الباشا " فقال له " أنا مش الباشا " أنا شغال هنا علشان الكلب دة ؟ وعندما سأل مربي الكلب الأستاذ حمام عن طبيعة عمله ، أجابه بسخرية عبر عنها بأصوات من فمه " أنا بتاع علم".

وفي الحقيقة لن اكون مبالغا إذا قلت أن حالة الأستاذ حمام هي تجسيد لأحوال كثير من المدرسين الذين يعيشون بيننا اليوم ،كما لفت انتباهي تصريح مؤخرا لأسرة الطالبة المتفوقة في الثانوية العامة والتي قيل في وسائل الإعلام أن والدها رفض عرضا من جامعة أمريكية للدراسة في أمريكا ، وكان حجة رفض والد الفتاة للمنحة بقوله " مش ها ابيع بنتي لأمريكا".

وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة ما نشرته وسائل الإعلام في هذا الموضوع إلا أننا من المؤكد قطاع عريض من هذا الشعب بييجي في الهايفة ويتصدر ، فلست أعلم ما علاقة الوطنية بدراسة ابنته في أمريكا ؟ فالعلم ليس حكرا على أحد كما أنه لا دين للعلم ، وفي رأيي أنه في ظل التراخي الممنهج من قِبل الحكومات المصرية عن الإهتمام بقضية " العلم والتعليم " وبخس الأحوال المعيشية للمعلم الذي هو جوهر العملية التعليمية ، والذي يعد الإهتمام به وتحسين مستوى معيشته مدخلا ضروريا لتربية جيل متعلم وواعٍ وتخريج علماء يخدمون وطنهم ، فالعلم في مجتمعاتنا العربية وفي مصر مهمش وعن عمد ، والحكومات تهمش الكفاءات ، وتخلق كل يوم بيئة معادية للعلم والتقدم ومخاصمة للإبتكار والإنجاز ، وطاردة للمبدعين والمخترعين.

أنظر حولك لتجد كما هائلا من المخترعين المصريين والعباقرة والمبتكرين الذين سجلوا بالفعل براءات إختراعات مذهلة ولكن الحكومة احبطتهم وسدت آذانها عنهم وهمشتهم وكان مصير إختراعاتهم صناديق القمامة أو داخل الأدراج.

لقد تواصل معي بعض المخترعين الذين لديهم براءات إختراع يمكن أن تنقل مصر نقلة نوعية على مسار التقدم العلمي وهم يشعرون الحزن والأسى والصدمة لأنهم يريدون بحق أن يخدموا مصر ، وحاولوا أكثر من مرة أن يصلوا بإختراعاتهم وإبتكاراتهم للمسئولين ولكن دون جدوى ، وهو ما أصابهم بالإحباط ، وهناك من قالوا لي : هناك دول تريد أن تستفيد بهذه الإختراعات ولكننا نريد ان تخدم هذه الإختراعات مصر ، ونريد من يأخذ بيدنا ويتبنى إختراعاتنا ، وأنني أرى بعد ثورتين أن العلم في مصر لا يزال بعافية ولو استمرت الحكومة على هذا النهج في تطفيش وقهر المخترعين والمبدعين فسيشيع " العلم " في مصر إلى مثواه الأخير ونترحم عليه قريبا ً.

والحق يقال أن وزير التنمية المحلية السابق " أحمد زكي بدر" جسد بتلقائية وحرفية وجرأة ربما يحسده عليها الكثيرون واقع العلم والبحث العلم والإبتكار في مصر عندما سأله شأب يريد أن تتبنى الدولة مشروعه وابتكاره فرد عليه قائلا " اطلع بيه على أمريكا على طول".

انها فضيحة حقا تعري واقع العلم والبحث العلمي وتشجيع المبدعين والمخترعين في مصر ..

فالحكومات التي يهون عليها العلم والعلماء في رأيي وأقولها بدون مبالغة حكومات غير وطنية لانها ترتكب " جريمة القتل العمد " للعماء نفسيا وأدبيا وللوطن الذي يفقد هؤلاء العلماء عندما يفرون بابتكاراتهم وابداعاتهم لتتلقفهم دول أخرى وتستثمر فيهم وتحيطهم بالرعاية والحماية ، فمن يتأمل في ميزانية البحث العلمي في مصر يستلقي على ظهره ويتشقلب على الأرض من الضحك إذا ما قورنت بميزانيات البحث العلمي في إسرائيل وحتى بعض الدول العربية كالإمارات والكويت وغيرها.

فمؤشرات البحث العلمي في مصر تتراجع برغم وجود كم هائل من مراكز الأبحاث وعدم إنفاق الحكومة البحث بل يقوم بالإنفاق عليها في الغالب الباحث نفسه ، ووفقا لتصريحات اللواء أبو بكر الجندى، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ؛ ترتيب مصر في مؤشر البحث العلمي قد تراجع إلى 129 من بين 148 دولة فى العالم، وأن إسرائيل احتلت المركز الأول بسبب أن ميزانية البحث العلمي بمصر هزيلة والتي لا تتجاوز 1% من الموازنة العامة للدولة.

كما كشف تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية "الويبو" التابعة الأمم المتحدة، الصادر نهاية عام 2016 وفقا لتقرير منشور بموقع البوابة نيوز " في 29 مارس 2017 عن تراجع ترتيب مصر بين 141 دولة فى مؤشرات الإبتكار العالمية، حيث احتلت الترتيب 100 مقارنة بعام 2015 الذى احتلت فيه الترتيب 99، حيث جاءت سويسرا في المركز الأول يليها السويد، كما حصلت مصر على المركز 128 من أصل 140 دولة فى مؤشر كفاءة مؤسسات البحث العلمي، ورقم 129 من بين 148 وفقا لتقرير حقوق الملكية الفكرية فى مجال البحث العلمي ، هي فيه فضيحة أكتر من كدة ؟ !!

كما أن عدد العلماء المصريين المهاجرين من مصر بسبب هذه البيئة الطاردة للعلماء والتي لا تشجع البحث العلمي يقدر بـ ( 86 ) ألف عالم وفقا لبيان صادر عن الإتحاد العام للمصريين في الخارج،ونقلته عنه جريدة الشروق عام 2013 ، حيث تأتي مصر في المركز الأول في عدد العلماء على مستوى العالم ، كما أوضح الإتحاد أيضا ً أنه يوجد في مصر 1883 عالمًا مصريًا في تخصصات نووية نادرة.

هل بعد كل ذلك نستطيع أن نقول أننا دولة علم أو دولة تحترم العلم ؟ برغم كل هذه الإمكانيات الجبارة من العلماء في الخارج والأبحاث التي لو تم تسويقها بشكل جيد وفعال وكفء من قبل الهيئة العامة للإستعلامات أو سفاراتنا وقنصلياتنا في الخارج ؟

يا سادة لا يمكن أن يكون لمصر مستقبل دون الإهتمام بالعلم الذي يعد القاطرة الأولى لإحداث نقلة وقفزة نوعية لأي دولة ، يبدو أن المشوار طويل ، وسلملي على " العلم " .. فدولة العلم لا يكون البشر فيها أسرى لرجال الدين ، لا يلجأ مسئولون حكوميون للدجالين والمشعوذين لمعرفة أماكن المجرمين؟ ولا يلجأ بعض البرلمانيين للسحرة والشعوذة وضرب المندل للفوز في المباريات أو تحقيق بعض الأهداف ، ولا يسيطر إعلام الدجل والجن والشعوذة على الناس لتغييب وعيهم واستلاب إرادتهم.

وإن كان الرئيس السيسي يقوم بعمل حوارات دورية مع الشباب ، فيجب عليه أن يضع العلم والعلماء والمخترعين على قمة أولويات الدولة وأن يذلل العقبات أمام المخترعين وأن يلتقي مع المخترعين والعلماء بشكل دوري وأن يرفع ميزانية البحث العلمي وأن يستعين بتخصصات علمائنا في الخارج في مجالات البحث العلمي للإستفادة من هذه الميزة الجبارة لخدمة مصر ، وان يعقد مؤتمرات علمية في مصر ، ولو على الصعيد العربي والإقليمي ، فدولة بدون علم هي دولة بدون مستقبل او بمعنى أدق دولة عبيد خارج نطاق الزمن يسودها الجهل والخرافة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط