تفسير الآية الأولى من سورة الكهف للشعراوي

قال الله تعالى "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا" {الكهف:1}.
يقول الشيخ محمد متولى الشعراوى فى تفسيره للآية الأولى من سورة الكهف، إن المراد من الحمد فى الآية الكريمة هو المطلق الكامل لله الحمد المستوعب لكل شيء، حتى إنَّ حمدك لأيِّ إنسان قدَّم لك جميلاً فهو إذا سَلْسَلْتَهُ حَمْدٌ لله تعالى الذي أعان هذا الإنسان على أن يحسن إليك، فالجميل جاء من حركته، وحركته موهوبة له من خالقه، والنعمة التي أمدّك بها موهوبة من خالقه تعالى، وهكذا إذا سلسلتَ الحمد لأيِّ إنسان في الدنيا تجده يصل إلى المنعِم الأول سبحانه وتعالى.
وأوضح الشعراوى أن حيثية الحمد هنا هى إنزالُ الكتاب الذي يجمع كل القيم، وقوله تعالى"على عَبْدِهِ" فالعبودية رفعتْه إلى حضرته تعالى لأنه كان عبداً بحقّ، فمعنى إنزال الكتاب عليه أن النبى -صلى الله عليه وسلم- أخلص هو أولاً في العبودية وتحمَّل ما تحمّل فكان من جزائه أن يرتفع إلى مقام الحضرة فَعُرِج به، وهناك أعطاه الله الصلاة لينزلَ بها إلى الخَلْق ليرفع بها صوته إلى المقام الذي سعى إليه بالمعراج.
وأضاف إمام الدعاة أن معنى قوله تعالى "الكتاب" هو القرآن الكريم، والكتاب يُطلَق ويُرَادُ به بعضه، فالآية الواحدة تُسمَّى قرآناً، والسورة تُسمَّى قرآناً، والكل نُسمِّيه قرآناً، وقيل أن المراد إنزال القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ، ثم نزَّله بعد ذلك مُنَجَّماً حَسْب الوقائع، فالمراد هنا الإنزال لا التنزيل.
وتابع أن قوله تعالى "وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا" أي جعله مستقيماً لا عِوجَ فيه، والاعوجاج أن يأخذ الشيءُ امتداداً مُنْحنياً ملتوياً، أما الاستقامة فهي الامتداد في نفس الاتجاه، لا يميل يميناً أو شمالاً، ولا تستقيم حياة الناس في الدنيا إلا إذا ساروا جميعاً على منهج مستقيم يعصمهم من التصادم في حركة الحياة.
وأشار إلى أن الحق سبحانه وتعالى خلق الخَلْق متكاملين، فكُلٌّ منهم لديه موهبة يحتاجها الآخرين، ولا يستطيع أحد أن يقومَ بذاته أو يستغني عن مواهب غيره، فلابد أن يتواجه الناس في الحياة، وأنْ يتكاملوا، إذن لابد من استقامة الطريق والمنهج الإلهي هو الطريق المستقيم الذي يضمن الحركة في الحياة.