وكيل الأزهر: نفقة علاج المرأة واجبة على زوجها مثل الطعام والشراب

ألقى وكيل الأزهر، محاضرتين للوعاظ المتدربين على الإفتاء من كافة المحافظات ضمن سلسلة الدورات التدريبية المكثفة التي يجريها الأزهر الشريف في أروقة الأزهر الشريف ومدينة البعوث الإسلامية ومراكز التدريب بالمحافظات للنهوض بالعمل الدعوي وتجديد الفكر الديني.
وتناول وكيل الأزهر في المحاضرة الأولى أهم المسائل التي يمكن أن تعرض على المفتين في المواريث وكيفية الإجابة عنها، مؤكدًا أنَّ الإخلاص في العمل هو السبيل إلى تبليغ رسالة رب العالمين للناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وأنَّ العمل الدعوي يتطلب المداومة على طلب العلم والبحث في المسائل المختلفة للتمكن في العلم، مؤكدًا أنَّ علم الميراث علم كبير وعميق وواسع.
وقال وكيل الأزهر إنَّ الله -عز وجل- تكفل ببيان المواريث في كتابه العزيز، ولم يدع أمرها لأحد من خلقه، فجنبها الخلاف المحمود في غيرها من التكاليف؛ لما فيه من تيسير على العباد، إلا أنّه لو وقع في الميراث لأفضى إلى التنازع وضياع الحقوق، لما جُلبت عليه النفوس من حب المال؛ والسعي لامتلاكه.
وأكد أن الميراث من طرق انتقال المال، حيث اقتضت سنة الله في خلقه أن يموت الإنسان بعد انتهاء أجله، ويترك ما أبقى من الأموال التي اجتهد في تحصيلها حال الحياة، ولما كان الإنسان بعد وفاته غير صالح لأن يمتلك شيئًا من متاع الدنيا؛ وهو في غير حاجة إليه، كان من البديهي أن تنتقل هذه الأموال إلى غيره من الأحياء.
وتابع: ولما كان الأحياء كثيرون وكلهم يحب المال حُبًا جمًّا كان من الضروري أنَّ ينظم شرعنا الحنيف مسألة انتقال المال إليهم، وذلك ببيان المستحقين له ممن يرتبطون بصلة من الصِلات التي اعتبرها الشرع سببًا من أسباب الميراث وبيان نصيب كل وارث منهم، وإبعاد غير المستحقين عن تركة من مات حتى لا يقع التنازع بينهم حول أحقيتهم بالتركة.
وقدم شرحا كاملا للمواريث للوعاظ والمتدربين استمرت أكثر من 3 ساعات ، مطالبا الوعاظ بضرورة تنمية المهارات وزيادة المعرفة للتفاعل مع المجتمع ومعايشة مشكلاته.
وفي المحاضرة الثانية تناول أهم القضايا التي تحتاج إلى تجديد في الفتوى بما يناسب الزمان ويدفع المفاسد ويجلب المصالح للناس، وذكر وكيل الأزهر، أبرز المسائل التي يكثر لغط الناس حولها ومنها: المسألة الأولى: تهنئة المسيحيين بأعيادهم:
وقال وكيل الأزهر: إن تهنئة المسيحيين بأعيادهم لا تتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية التي جاءت تقر مبدأ التعايش بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع الواحد، وفي كتاب الله من النصوص ما يؤيد ذلك حيث أمرنا ببرهم والعدل فيهم، وذلك في قوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
ولفت وكيل الأزهر إلى أن ودهم للمسلمين ثابت بنص كتاب الله، قال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ).
وتساءل: أين نحن من وصية رسولنا لنا بهم في قوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا خيرا بأقباط مصر فإن لنا فيهم ذمة ورحما)، في إشارة إلى السيدة هاجر زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام والسيدة مارية القبطية زوج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقوله قبيل وفاته: (اللهَ اللهَ في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله).
ونوه بأن تحريم البعض لتهنئة المسيحيين في أعيادهم يؤذي مشاعرهم، ومن مكارم أخلاق إسلامنا التي أمرنا بها النهي عن مقابلة الود بالإساءة، وقد نهينا عن إيذاء مشاعرهم بقول رسولنا الأكرم: (من آذى ذميا فقد آذاني)، كما أنه يولد البغضاء ويوهن اللحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد .
وتحدث في المسألة الثانية على الإنفاق على علاج الزوجة: فقال وكيل الأزهر إن من الأمور العجيبة اختلاف المعاصرين في تحميل الزوج نفقة علاج زوجته إذا مرضت، استنادًا على قول قديم لأكثر الفقهاء بعدم وجوبها، والذين يقولون بذلك في عصرنا لا يدركون مرامي ومقاصد الفقهاء على حقيقتها، فإن اجتهاداتهم فيما لا نص فيه، ومنه هذه المسألة، هو اجتهاد يرتبط بالأعراف السائدة وقت الاجتهاد، وهو غير ملزم للفقهاء الذين يأتون من بعدهم متى تغيرت الأعراف، بل هو غير ملزم لفقهاء نفس الزمان في مكان آخر، وهؤلاء الفقهاء العظام هم من قالوا لنا كما ذكر الإمام القرافي: (إن الجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمراد علماء المسلمين)، ومن ضوابطهم المفيدة لنا: (تتغير الفتوى بتغير الحال والزمان والمكان والدواعي والأشخاص).
واستطرد: وحين نص جمهورهم على عدم وجوب ثمن الدواء على الزوج إن مرضت زوجته لم تكن الأمراض منتشرة كما في زماننا، فخشونة عيش الناس وكثرة نشاطهم أكسبهم صحة وجنبهم كثيرا من الأمراض التي تفتك بالناس في زماننا، كما لم تكن الأدوية مكلفة كالأدوية الآن، حيث كانت في غالبها بعض الأعشاب التي تنبت هنا وهناك، ولذا لم يكن التداوي من الحاجات الأساسية، فلم يوجبوه على الزوج في النفقة. أمَا وقد تزاحمت الأمراض على الناس الآن وأصبح العلاج ملازما لكثير من الرجال والنساء مع طعامهم وشرابهم مع ارتفاع ثمنه، فليس من المعقول ولا من حسن الصحبة ولا من مكارم الأخلاق أن يترك الزوج زوجته من دون علاج لتبقى مع آلامها أو يتفاقم مرضها أو تتسول ثمنه فإذا صحت استمتع بها!
ووجّه حديثه للمتحرجين من ترك اجتهاد السابقين في هذه المسألة قائلا: عليكم بقول من أوجبه فهو غير مفقود بين فقهاء الأزمنة الماضية، فبوجوب ثمن الدواء على الزوج قال بعض السادة المالكية، ويمكن مراجعة (مِنح الجليل على مختصر الشيخ خليل)، وهو أيضا رأي لبعض الحنابلة الذين يقولون عنهم إنهم أهل تشدد، ويمكن مراجعة (زاد المعاد لابن القيم) في ذلك، والدارسون للفقه المقارن يعلمون أنه لا يشترط أن يكون رأي أكثر الفقهاء هو الراجح دائما بل يترجح من الأقوال ما يناسب الحال ولو كان لفقيه واحد في مقابل الجمهور، وحيث قال بعض الفقهاء بوجوب ثمن الدواء على الزوج وكان هذا هو المناسب لزماننا فتكون الفتوى عليه حتى للملتزمين بتقليد الفقهاء حتى في الاجتهاد فيما لا نص فيه.