قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

«ليس من امبر امصيام في امسفر»


كم من كلمات غريبة نستقبلها نحن العرب وندخلها بكل سهولة في لغتنا العربية ولا نكتفي بذلك بل نستبدل كلماتها بمفردات غريبة لا نعلم هوية معظمها والنتيجة طمس اللغة العربية بأيدينا دون وعي أو تفكير حتى أصبح الأصل في اللغة هي الكلمات الغريبة، فمن منا يعلم أن كلمة تليفون ليست عربية وإنما إنجليزية وأصلها "الهاتف"، وكلمة "جمرك" أصلها تركي وتعني الضريبة التي تؤخذ على البضائع، و"فاتورة" كلمة إيطالية ومعناها بالعربية "قائمة حساب"، و"شاكوش" كلمة تركية وتعني مطرقة بالعربية، وكلمة "سيناريو" معناها حوار، وكلمة "ديكور" تعني بالعربية "تزيين"، و"جاكيت" كلمة ألمانية وتعني "سترة أو قميص".

هذا بالإضافة إلى "الفرانكو".. اللغة التي استحدثناها لنتكلم بها بديلا للغتنا، والمظلوم الوحيد هو "العربية" التي نطمسها بأيدينا يوما بعد الآخر، لدرجة أن البعض يكتب بها آيات القرآن والأحاديث على مواقع التواصل كالفيس بوك ورسائل الهواتف المحمولة، فمثلا يكتب البعض منا هذه الأرقام بدلا من حروف العربية "5 خ-7 ح- 8 غ- 9 ص- 2 همزة- 4 ث -z ظ".

ليس هذا فحسب بل كثرت الكلمات الغريبة فمنها: كلمة "مخنوق بدلا من "أشعر بالضيق" - "نفض" و"كبر دماغك" بدلا من "دعك منه" - ما تشتغلناش وما تحورش" بدلا من "لا تخدعنا"، وهناك كلمات أخرى تركية الأصل مثل: "جزمجي" وهو صانع الأحذية ومصلحها، و"عربجي" وهو سائق العربة الكارو الذي يجرها حصان أو حمار، وغيرها مثل "أسطول" وهي كلمة فارسية الأصل، و"إمبارح" بدلا من "البارحة" وهي من لهجات أهل حِمير.

مأساة ومرض خطير لم نجد له علاجا بسبب تكاسلنا وإهمالنا للغة.. كارثة علينا بحث أسبابها والبدء في علاجها قبل تضخمها.. أفيقوا يا عرب.

حزين وأنا أبدأ مقالي بهذه الكلمات، ولكن عندي أمل بإحداث تغيير بعض الشيء، فقد تركنا نحن العرب لغتنا لكل من "هب ودب" ليغيروا فيها بأيدينا، ليكون الخاسر "نحن"، لنساعد دون وعي في طمس لغة القرآن الكريم ومحوها.

أما عن عنوان المقال "ليس من امبر امصيام في امسفر" فحديث شريف سمعته من زوج شقيقتي "الشيخ حسني" محفظ القرآن أثناء حديثي معه عن فصاحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدى إلمام حضرته بجوامع اللغة في عصر لم تكن فيه مدارس أو دورات تدريبية أو كورسات.. فقط مدرسة الرحمن، ومعناه: "ليس من البر الصيام في السفر" وهو لهجة أهل حِمير.

وعن قصته فبسؤالي لعالمناالجليل الدكتور أحمد عمر هاشم أكد صحة الحديث، وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب قوما لا يفقهون العربية وكانوا يصومون أثناء سفرهم وهذه مشقة كبيرة عليهم، فخاطبهم الرسول الكريم بلغتهم معلما إياهم أنه "ليس من البر الصيام في السفر".

كما أكد عالمنا الجليل أن هذا الحديث النبوي يشير إلى مدى الرقي الذي وصل إليه المسلمون في عهد الرسول، فقد وصلوا إلى قمة الوعي، ويؤكد تأثر العالم كله بثقافة الإسلام التنويرية وتعلم مبادئها والنقل عنها للارتقاء بشعوبهم.

أبعد كل ذلك ننحدر بأنفسنا إلى قاع مظلم يأخذنا إلى الهاوية.. إلى طريق مسدود من الجهل والظلام.. إلى محاربة هويتنا والقضاء عليها.. انتبهوا قبل فوات الأوان، ولا تعني سطوري إهمال اللغات الأخرىبل لابد من الاهتمام بها فتعليمها وتعلمها أمر ضروري للنهوض والتقدم والرقي ومواكبة التطورات،ونقل الثقافات،وكيفية التعامل مع المجتمعات الأخرى والاستفادة منها.

نعم تأخرنا كثيرا، ولكن مازال أمامنا الفرصة لإعادة أمجادنا بالعلم والوعي والثقافة، ومن ثم الارتقاء والإدراك والتقدم والاستقرار، فليس الظلام دامسا حالكا بل هناك باب مفتوح بعض الشئ لو تأخرنا عليه سينغلق وسيصبح فتحه أقرب للمستحيل.. "أفيقوا يا عرب وانتبهوا.. لغتنا هويتنا".